الحق في المعرفة

فهد عامر الأحمدي

    نستلم بين الحين والآخر (ومن خلال الواتساب على وجه الخصوص) صورا لخطابات رسمية وتعاميم سرية يتم تسريبها بطريقة مخالفة للأنظمة والقوانين.. ورغم أنها مخالفة للأنظمة والقوانين لا أتوقع اختفاءها قريبا بسبب فضولنا وحشريتنا وبحثنا عما يخصنا..

فالإنسان ميال بطبيعته للتحري عما يهمه وما يحدث حوله.. واعترافا بطبيعته الفضولية وحقه في المعرفة تضطر الحكومات الغربية للإفصاح عن ملفاتها السرية بشكل سنوي أو دوري..

وأهم الملفات السرية (في نظري) هي تلك التي تأتي من بريطانيا بسبب ماضيها الاستعماري وإمبراطوريتها التي لم تكن تغيب عنها الشمس.. وأنا شخصيا مازلت أحتفظ بجزء كبير من ملفاتها الاستعمارية في منطقتنا العربية التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط بشكل حلقات (بدءا من يونيو 2013)..

فقد جرت العادة أن تفرج الحكومة البريطانية في نهاية كل سنة ميلادية عن الملفات السرية التي مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما وتتعلق بوزارة الخارجية وأجهزة المخابرات ومجلس الوزراء ومراسلات السفراء ولقاءات الوزراء ومباحثاتها الدولية ومواقفها من القضايا العالمية.. الخ

غير أن بعض الملفات قد يبقى قيد السرية لمدة أطول (في حال اتضح إضرارها بمصلحة الدولة أو علاقاتها مع الدول الأخرى) كما قد يؤجل بعضها في حال تضمنت أسماء مسؤولين على قيد الحياة أو مسؤولين أجانب كانت لهم علاقة ولاء مع بريطانيا.. لهذا السبب توجد وثائق سرية يتم تأجيل الإفراج عنها عاما بعد عام لمدد زادت اليوم على السبعين عاما.. ولكن حتى هذا النوع من الملفات يعلم الشعب البريطاني أنها تتعلق بأنشطة خارجية تخص العمليات الاستخبارية في الدول البعيدة، أو تسجيلات مركز التنصت على رؤساء الدول (جي سي إتش كيو) أو العمليات السرية التي نفذها الجيش البريطاني داخل الأراضي الألمانية في نهاية الحرب العالمية الثانية..

ومايحدث في بريطانيا مجرد مثال لما يحدث أيضا في أميركا وفرنسا وألمانيا وكندا وكافة الدول الديمقراطية (لدرجة أن حكومة بوش الأب اضطرت للكشف حتى عن الملفات الخاصة بظاهرة الأطباق الطائرة بأمر من المحكمة العليا).. فمنذ القرن الثامن عشر أصبح الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات من أسس الديمقراطية الغربية وركيزة من ركائز المجتمعات الحرة.. ومنذ مئتي عام وهناك حالة تجاذب مستمرة بين رغبة الدولة (في الاحتفاظ بالملفات السرية)، وفضول المؤرخين والمفكرين والكتاب في معرفة الحقائق..

فالحق في المعرفة يسبق الحق في التعبير ويعني المشاركة في اتخاذ القرارات ومعرفة أسباب اتخاذها.. بدون هذا الحق يصبح المواطن مهمشا مُغيبا لا يعلم لماذا تم فصل هذا المسؤول أو تعيين ذلك الوزير، أو تم رفض تشريعات يهمه أمرها.. وحين تسود السرية وتغيب التفسيرات الرسمية، يضطر المواطن لقبول الشائعات وتصديق المبالغات والبحث عن الوثائق المسربة بالجوالات (والأخطر من ذلك؛ تصديق ما يقال عن بلده في وسائل الإعلام الخارجية)..

بدون الحق في المعرفة لن تختفي رغبة الناس في البحث والتحري والاطلاع.. وبدون الشفافية لن تتوقف ظاهرة تسريب الوثائق الرسمية حتى في ظل التهديد بالسجن والفصل والغرامة..

.. وبخصوص آخر ثلاث كلمات؛ يا ليت تحذف باستمرار ما يتم تخزينه في مجلد الواتساب!

http://www.alriyadh.com/1105911

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك