شواهد التغيير ومشاهده في القرآن الكريم

رضوان السيد

 

-I-

يتحدث القرآنُ عن التغيير في أربعة سياقات: الأول، هو التغيير الكَونيُّ الحادثُ باعتباره من أَمارات يوم القيامة ومشاهدها؛ وذلك من مثل قوله تعالى: ﴿يوم تُبدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرض والسمواتُ وبرزوا لله الواحد القهّار﴾(إبراهيم: 48), ومن مثل قولِه تعالى: ﴿إذا الشمسُ كوِّرت. وإذا النجومُ انكدرت﴾ (التكوير: 1-2)، وقولِه تعالى: ﴿إذا السماءُ انفطرت. وإذا الكواكبُ انتثرت. وإذا البحارُ فُجِّرت﴾(الانفطار: 1-3)، وقولِه تعالى: ﴿إذا السماءُ انشقّت. وأذنت لربِّها وحُقَّت. وإذا الأرضُ مُدَّت. وألْقت ما فيها وتخلَّتْ﴾ (الانشقاق: 1-4). والنوعُ الثاني من أنواع التغيير هو الذي يتحدثُ فيه القرآنُ عن تغيير أُمةٍ بأمّةٍ أو الاستبدال بها بسبب الفساد والإفساد في الاُولى، والصلاح والإصلاح الذيْن أظهرتْهما الأمةُ الأُخرى, وذلك من مثل قوله تعالى: ﴿وإن تتولَّوا يستبدلْ قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم﴾ (محمد: 38)، وقولِه تعالى: ﴿إلاّ تنفِروا يعذّبكم عذاباً أَليماً ويستبدلْ قوماً غيركم ولا تضرّوهُ شيئاً والله على كلّ شيء قدير﴾(التوبة: 39). والنوعُ الثالث من أنواع التغيير يتصل بقُرىً وأُمَمٍ بعينِها, أُرسل إليها المُرسَلون فأَبت على الإيمان والإصلاح، أو أنها كانت في حالِ رَفاهٍ ورفاهية، فغيَّرت باتجاه الفساد والإفساد. وذلك من مثل قوله تعالى: ﴿وضرب الله مَثَلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزْقُها رغَداً من كلِّ مكانٍ فكفرت بأَنْعُم الله فأذاقها اللهُ لِباسَ الجوع والخوف بما كانوا يصنعون﴾ (النحل: 112)، وقوله تعالى: ﴿وإذا أردْنا أن نُهلِكَ قريةً أَمرْنا مُترَفيها فَفسَقوا فيها فَحَقَّ عليها القولُ فدمَّرْناها تدميرا﴾ (الإسراء: 16). وفي حالتي التغيير الثانية والثالثة -أي الاستبدال، والإهلاك بسبب الفساد- يقترن الأمر في القرآن الكريم دائماً بمسألتين: إرسال الرُسُل، وأنّ تلك هي سُنّةٌ من سُنَن الله -عزَّ وجلَّ-، بمعنى أنّ التغيير التدميري أو الاستبدال لا يقع إلاّ بعد الفساد وبعد إرسال الرسُل.

أما النوعُ الرابعُ من أنواع التغيير التي يتحدثُ عنها القرآن، فهو ذاك الذي يظهرُ لدى الأفراد والجماعات وعلى أساس التبدُّل القيمي الداخلي، وهو يردُ في سورتين؛ أُولاهما قولُهُ تعالى في سورة الرعد: 10-11: ﴿سواءٌ منكم مَنْ أسرَّ القولَ وَمَنْ جهر به ومَنْ هو مستخْفٍ بالليل وسارب بالنهار. له معقِّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إنّ الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتّى يغيِّروا ما بأنفُسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءًا فلا مردَّ له وما لهم من دونه من وال﴾. والآيةُ الثانيةُ في سورة الأنفال: 53: ﴿ذلك بأنّ الله لم يكُ مغيِّراً نعمةً أَنعمها على قومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفُسِهِمْ وأن الله سميعٌ عليم﴾. وهكذا فإنّ هذا التغيير الذي يحدث في النفس -أي في داخل الفرد أو الأفراد- يمكن أولاً أن يكونَ باتجاه الأفضل والأحسن، كما يمكن أن يكون أو يقود باتجاه السيئ والأسوأ. وهو في الحالتين يمكن أن ينتشر في الجماعات فيصبح عندها فكرةً أو قيمةً حاكمةً بالغةَ التأْثير. والواضحُ أنّ السبب في تمييزه عن أنواع التغيير الأُخرى الواردة في القرآن أنه عمليةُ تحوُّلٍ داخليّة, تؤثِّر في تصرفات الفرْد، ثم تطّردُ لتصبح دافعاً للتغيير الاجتماعي. ومع أنّ القرآن لا يذكُرُ مفرد السُنّة (بمعنى القانون أو القاعدة) في هذا المعرِض؛ فإن الصيغتين: التأكيدية والحصرية تُفيدان المعنى ذاتَه الذي تُفيدُهُ السنة أو القاعدة: إنّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفُسِهِمْ، وإنّ الله لم يكُ مغيِّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتّى يغيِّروا ما بأنفُسِهِمْ. إنما كيف تبدأُ السنةُ التغييريةُ هذه بداخل الأفراد فتدفع باتّجاه التفكير السليم، والقول السليم، والعمل الصالح؟ تَرِد في القرآن مئاتُ المرات تعابير من مثل: مَن آمَنَ وعمل صالحاً، والذين آمنوا وعملوا الصالحات، ومن يعمل صالحاً وهو مؤمن. فالإيمانُ إذن هو الذي يؤسِّسُ للتغيير الذي لا يلبثُ أن يبدوَ في عمل المرء في المجتمع والعالم. والمفسِّرون يقولون: إنّ الواو في "وعمل صالحاً" هي سببية؛ أي آمنَ فعمل العمل الصالح. إنما كيف يحدُثُ ذلك؟ هل الأمر ميكانيكي أو تلقائي بالإيجاب والسلْب؟ أي الذي يعملُ الصالحات دائماً يكونُ مؤمناً، والعكس صحيح؟ هناك خلافٌ شديدٌ بين أهل الفقه والكلام والتفسير بشأن الارتباط بين الإيمان والعمل. على أنّ هناك مشهدين رؤيويين في القرآن, يحسمان المسألة لصالح عدِّها عملية سعيٍ وجهادٍ مستمرٍ داخل النفس الإنسانية. يرد أولُ المشهدين في مطلع سورة المؤمنون على النحو التالي: ﴿قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو مُعرِضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أَيمانُهُمْ فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون﴾. والمشهدُ الآخرُ لمعنى العمل الصالح وعلاقته بالإيمان رسمته الآياتُ الواردةُ في آخر سورة الفرقان عن عباد الرحمن(الفرقان: 62-74): ﴿وعبادُ الرحمن الذين يمشون على الأرض هَوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً. والذين يبيتون لربّهم سُجَّداً وقياماً. والذين يقولون ربَّنا اصِرفْ عنّا عذابَ جهنَّم إنّ عذابها كان غراما. إنها ساءت مستقراً ومُقاما. والذين إذا أَنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قَواما. والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخَرَ ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلاّ بالحق ولا يزْنون ومن يفعلْ ذلك يلقَ أثاما. يُضاعفْ له العذابُ يوم القيامة ويخلدْ فيه مُهانا. إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك الذين يُبدّلُ الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما. ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا. والذين لا يشهدون الزور وإذا مرّوا باللغو مروا كراما. والذين إذا ذُكّروا بآيات ربّهم لم يخرُّوا عليها صمًّا وعميانا﴾.

تتحدث الآياتُ في السورتين إذن عن سِمات المؤمنين الأفراد والجماعات، وهي تشمل: عباداتٍ وسلوكاً اجتماعياً؛ لكنها تتناولُ قبل ذلك وبعده النوايا وطرائق التفكير والتقدير، ورؤية شاملة لالتزامات المؤمن القيمية والأخلاقية تُجاه ربِّه ومجتمعه أقاربَ وبُعَداء. ويحتاج الأمر إلى جهادٍ للنفس مستمرٍّ, ومعاناة لكي يحدُثَ التغيير ويستقرّ ويتطوَّر، ويظلُّ الإنسان معرَّضاً للأخطاء والانتكاسات؛ بيد أنَّ التوبةَ كفيلةٌ بإصلاح الأمر بينه وبين ربِّه, سواء لجهة ارتكاب الخطأ أو لجهة الإعراض عن فعل الخير. يقول أبو حنيفة: إنّ الإيمان هو التصديق، وإنه لا يزيد بالعمل ولا ينقُصُ بقلّتِه. بينما يقول أهل المذاهب الأخرى: إنّ الإيمان هو اعتقادٌ بالجَنان، وقَولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، وإنه ينقصُ بالمعصية ويزيد بالطاعة. بيد أنّ العلماء لا يختلفون على أنّ هناك قيماً كبرى تسودُ في رؤية القرآن للعالم، وبالتالي في فهم المسلم لإيمانه وإسلامه وعمله. وفي الحقيقة فإنّ مجاهدةَ النفس إنما تكونُ أو تجري ليس من أجل القيام بهذا العمل العبادي أو ذاك وحسْب؛ وإنما تجري على الرؤية والقيم الحاكمة والمتولِّدة أو التي ينبغي أن تتولَّد عن الإيمان، كما هو واضحٌ من المشهديْن القرآنيين اللذين أوردْناهُما عن قيم المؤمن وأخلاقه. فهل الإيمانُ اعتقادٌ ومأموراتٌ ومنهياتٌ، أم أنه أيضاً رؤيةٌ قيميةٌ هي التي تُحدِّد دوافعَ العمل ومقاصدَهُ نَظَراً وأداءً؟ أبوحنيفة يقول: إنّ الإيمانَ التزاماتٌ وتكاليف. والإمامان مالك وأحمد يقولان: إنه تكاليف والتزاماتٌ أو أخلاق وآداب. ويتردد الإمام الشافعيُّ بين هذا وذاك. ونحن نعرفُ -كما سنذكُرُ لاحقاً- أنّ هذا النقاش ما كان نقاشاً نظرياً في القرون الإسلامية الأُولى. فالباحث الياباني إيزوتسو -في كتابه عن المفاهيم الأخلاقية الأساسية في القرآن- يذكر أنّ صورة الله سبحانه في الديانات الإبراهيمية بعامة وفي القرآن بخاصة هي صورةٌ قيميةٌ وأخلاقية، وتغلبُ فيها اعتباراتُ الرؤية العامة والالتزاماتُ المترتبةُ عليها على الاعتبارات الطقوسية، أو أنّ الرؤية القيمية الشاملة هي المظلّة التي يتعبدُ بها المؤمنُ لله. إنما ما هي هذه القيم أو المصطلحات/ المفاتيح التي تحدّد رؤية المؤمن للعالَم، أو أنّ الإيمان يقتضيها في عمليات التغيير والتحول والانتقال إلى عالم الإيمان والإسلام؟ إنها -بحسب ورودها في القرآن من حيث التكرار وصِيَغ الورود ودرجات التأكيد- ستُّ قيم: المساواة, والكرامة, والرحمة, والعدالة, والتعارُف, والخير العام.

-           أمّا قيمةُ المساواة أمام الله، والمساواة والسواسية بين بني البشر، فمستندُها القرآني آياتُ الخَلْق من تُراب، والخَلْق من نفسٍ واحدة. ويتكرر ذلك عشرات المرات في القرآن الكريم، من مثل قوله تعالى: ﴿يا أيها الناسُ اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفْسٍ واحدةٍ وخَلَق منها زوجَها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءَ﴾ (النساء: 1), (وقارن بآياتٍ مُشابهة في الأعراف والزُمَر والأنعام والروم وفاطر وغافر والحِجر والمؤمنون). وفي الأصل فإنّ التماثُل والتساوي أمام الله يقوم على أساس مادّة الخَلْق، ومصدر الخَلْق، وأنه -عزَّ وجلَّ- المتفردُ بالخَلْق والأمر, ثم يُرتّب القرآنُ الكريم في عدة سُوِرٍ وآياتٍ نتائج تُحوِّلُ هذا الواقعَ إلى قيمةٍ أو فضيلة في طرائق التعامُل بين الناس، فالبشر -كما قال الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه في تفسير الخَلْق من نفسِ واحدةٍ- أكفاءٌ متماثلون، وهم صنفان: أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخَلْق. ولذلك كان الكِبْر رذيلةً قاتلةٌ قد تُوصِلُ إلى الشِرْك بالله -عزَّ وجلَّ-.

-           والقيمةُ الثانية هي الكرامة، وهي تعني أموراً كثيرةً وغالية في الميزات التي وهبها الله سبحانه للإنسان، وما رتّب عليه وعليها من مهامَّ ومسؤولياتٍ على أساس الكرامة والعقل والحرية. ولنتأمَّل معاً هذه الآية المركزية في تقرير مفهوم الكرامة ومسؤولياته: ﴿ولقد كرَّمْنا بني آدمَ وحملْناهم في البرّ والبحر وفضّلناهم على كثيرٍ ممن خلقْنا تفضيلا﴾(الإسراء: 70). فالكرامةُ الإلهيةُ لبني البشر -كما تبدو في القرآن الكريم بوصفها قيمةً- ذاتُ ثلاثة جوانب: التمييز على الكائنات الأُخرى بالعقل، والاستخلاف على إعمار العالَم، وتسخير إمكانيات العالَم لهم (كما في سُوَر البقرة: 30، والأنعام: 165، وفاطر: 39، والنحل: 62). والكرامةُ والعزّةُ تتصلان من جهةٍ بالإيمان؛ لكنهما تتصلان من جهةٍ أُخرى بالعمل الصالح. وفي ظلّ هذه الحُرُمات التي اُعطيت لبني الإنسان، يمكن له أن يُواجه بالعقل والحرية والإقدار أو التسخير أعباء المسؤوليات المُلقاة على عاتقه لإعمار العالَم وتسييره أخلاقياً. وبذلك فإنّ العملَ الصالح المترتّب على الإيمان هنا إنما يستهدي بمفهوم الكرامة بحقوقها وواجباتها أو مسؤولياتها، أو أنّ هذا المفهومَ يعني -من ضمن ما يعنيه- أخلاقَ الحرمة والواجب والمسؤولية بشكلٍ مترابط ومتلازم بين الحق والواجب.

-           والرحمةُ هي القيمة الثالثةُ في منظومة القيم القرآنية. وهناك ثلاثُ آياتٍ مركزيةٍ واضحة بشأن الضمان الإلهي لها، وهما آيتان في سورة الأنعام: 12 ﴿كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة﴾ والآية 54: ﴿فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرحمة﴾. والآية الثالثة في سورة الأعراف: 56 ﴿ورحمتي وسِعتْ كلَّ شيء﴾. والفعلان كتب ووسِعَ المتّصلان بإرادة الله -عزَّ وجلَّ- شديدا الشموخ والأهمية؛ إذ هما صفتان لله -عزَّ وجلَّ- تتجلَّيان في عباده. بيد أنّ الرحمة ترد في معارضَ أُخرى لا تقلُّ أهميةً وتأكيداً، مثل (بسم الله الرحمن الرحيم) في بداية كلّ سورة. ومثل الإخبار بأنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب لهداية البشر رحمةٌ منه -عزَّ وجلَّ- (الأنعام: 157، وهود: 17، والأنبياء: 107). ثم إنّ الرحمة قيمةٌ في علاقات المرء بوالديه (الإسراء: 24)، وفي علائقه بزوجته وأَولاده(الروم: 21). وهكذا فإنّ الرحمةَ هي القيمةُ العليا في علاقة الله -عزَّ وجلَّ- بالبشر. أمّا فيما بين البشر؛ فإنّ القرآن يعدّها حالةً فطريةً أو مُعطاة، ويعدّها تارةً أُخرى قيمةً يكونُ على البشر في رؤيتهم وسلوكهم أن يسعَوا لبلوغها.

-           والقيمةُ الرابعةُ هي قيمةُ "العدالة". والعدلُ في المعارض القرآنية التي يردُ فيها يعني في الغالب تقصُّد النزاهة في النظرة إلى الأشياء، وفي التعامل بين البشر. إنه نزاهةٌ وقُدرةٌ وشجاعةٌ من مثل المقارنة (في سورة النحل: 76) بين رجلين أحدهما لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه، والآخر هو الذي يأمُرُ بالعدل وهو على صراطٍ مستقيم. ويظلُّ هذا المعنى حاضراً حتّى في التعامُل مع غير المسلمين كما في الآية رقم 15 من سورة الشورى: ﴿وقل آمنتُ بما أنزل الله من كتاب وأُمرتُ لأَعدِلَ بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالُنا ولكم أعمالُكُم لا حُجَّةَ (أي لا جدال) بيننا وبينكم﴾. ويحضُرُ العدلُ أيضاً عندما يكونُ المسلم في موقع المبادر: ﴿إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾ (النحل: 90). كما يحضُر عندما يكونُ المسلمُ في مواقع التحكيم: ﴿وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قُربى﴾(الأنعام: 152)، أو في مواقع القضاء: ﴿إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾(النساء: 58)، أو في مواقع درء الفتنة داخل جماعة المسلمين ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما﴾...﴿فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأَقْسِطوا﴾(الحجرات: 9).

-           وقد عددْتُ التعارُف قيمةً خامسةً، وآيتُها المفتاحية هي قولُهُ تعالى: ﴿يا أيها الناس إنّا خلقْناكم من ذكر وأُنثى وجعلْناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم﴾(سورة الحجرات: 13). واللغويون يسمُّون اللام في "لِتَعارفوا" لامَ العاقبة، بمعنى أنّ الاختلاف بين الذكر والأُنثى والشعوب والقبائل لا ينبغي أن يكونَ مُدْعاةً للفُرقة؛ بل ينبغي أن يكونَ سبباً للتلاقي والتعارُف والاعتراف. ومع أنّ مفرد التعارُف لا يردُ غير مرتين في القرآن؛ فإنه ظلَّ قيمةً في المنظومة القيمية القرآنية؛ لأنه هو نفسُه العُرفُ والمعروفُ الذي يردُ في القرآن الكريم عشرات المرات، وضدُّهُ المُنْكَرُ الذي ينهى الله سبحانه عنه. إنه اللقاءُ بين الناس على قواسِم مشتركة أو قيمٍ مشتركةٍ تعارفوا على الأخْذ بها، وتناهَوا عن اتّباع مُضادّاتها(= المُنكرات).

-           أمّا قيمةُ الخير أو الخير العامّ، والتي تعني في الأصل اختيار الأكبر والأعلى والأجمل والأصعب بين قصدين أو قولين أو فعلين فاضلَين، فهي الأكثر ذكْراً في القرآن بعد قيمة الرحمة ومشتقاتها. وهي تردُ في عدة سياقات: بعدّها فعلاً لله -عزَّ وجلَّ- يدنو من مفهومي أو قيمتي الرحمة والنعمة من مثل: ﴿بيدك الخير﴾(آل عمران: 26)، ومن مثل: ﴿قل اللهم مالك المُلْك تؤتي المُلْك مَنْ تشاء وتنزع المُلْك ممن تشاء وتُعزُّ من تشاء وتُذلُّ مَنْ تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير﴾(آل عمران: 16). أو بعدّها عملاً للمؤمن على المستوى النظري(النية) أو المستوى القَولي، أو مستوى التصرف المادي, وبهذا المعنى تردُ قيمةُ الخير في أكثر من مائة آية. ثم إنها تردُ أكثر بمعنى اختيار الأفضل والأشقّ. وتردُ أيضاً على أنها منافسةٌ حميدةٌ مع أهل الديانات الأُخرى، من مثل: ﴿ولكلٍ وجهةٌ هو مولِّيها فاستبِقوا الخيرات﴾(البقرة: 148). وتردُ أخيراً بمعنى الاحتساب؛ أي العمل لوجه الله؛ من مثل: ﴿ذلك خيرٌ للذين يريدون وجهَ الله وأولئك هم المفلحون﴾(الروم: 38).

-II-

﴿إنّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفُسِهِم﴾ هذه الآيةُ المفتاحيةُ في التغيير وقواعده تُفسِّرُها مئاتُ الآيات التي تربط بين الإيمان والعمل الصالح. وقد تبيَّنَ أنّ الإيمانَ الذي يستتبعُ العملَ الصالح يقتضي تغييراً في "رؤية العالم"؛ أي يقتضي منظومةً قيميةً وأخلاقيةً جديدةً للإنسان والفعل الإنساني استظهرنا فيما سبق مفاهيمها الكبرى المترابطة والمتشابكة والمتعالقة, والتي تُعبِّرُ عن الفهم والطموحات من جهة، وأسلوب الثقافة والمجتمع في إضفاء المعنى على وجودهما، وإدراك ما حولهما وتنظيمه والتفاعُل معه. ونحن نعلمُ أنّ مجتمع المؤمنين انشغل على مدى حوالَي القرن ونصف القرن بعد وفاة النبي صلواتُ الله وسلامُهُ عليه بإشكالية وأشكال وأحكام الترابُط بين الإيمان والعمل. بيد أنه مع ظهور فئة المتكلِّمين في القرن الثاني الهجري عاد الجميع للانشغال بمنظومة القيم الحاكمة في مجال الإيمان والإسلام على حدٍ سواء, ودليلُنا على ذلك أنّ أهلَ المدرسة الكلامية الأُولى في الإسلام -مدرسة المعتزلة- سمَّوا أَنفُسهم: أهل العدل والتوحيد؛ إذ إنهم يُنزِّهون الله سبحانه وتعالى تنزيهاً مطلقاً وينفون عنه الصفات. أمّا العدل فإنهم لا يقصدون به تحديد سِماتٍ لنظام الحُكْم؛ بل يعدّونه القيمة الرئيس في العلاقة بين الله والإنسان. فإذا كان الله سبحانه يحاسبُ الإنسان على أفعاله؛ فإنّ الإنسان ينبغي أن يكونَ مستقلاًّ في الفعل والتَرك؛ لكي يكونَ مسؤولاً أمام الله عقاباً أو ثواباً، وإلاّ لما كان اللهُ عادلاً. فالإنسان حُرٌّ فيما يفعل، والله سبحانه عادلٌ في الإثابة والمُعاقبة.

وقد اختلف أهل السُنّة مع المعتزلة في مسائل التنزيه والذات والصفات والقضاء والقَدَر وخَلْق أفعال العباد؛ بيد أنّ أهمَّ مسائل الخلاف كان سؤال الأَولويات في منظومة القيم، أو بتعبيرٍ آخَر: ما هي القيمةُ العليا التي تحكم علاقة الإنسان بالله -عزَّ وجلَّ-؟ أمّا المعتزلة فقد قالوا- كما سبق ذكْرُه-: إنّ العدلَ هو القيمةُ العليا الحاكمة؛ بينما ذهب أهلُ السُنّة (الذين عُرفوا منذ القرن الخامس بالأشاعرة نسبةً لأبي الحسن الأشعري) إلى أنّ القيمة العليا الحاكمة هي الرحمة. وهناك قصةٌ وربما كانت طُرفةً تُروى عن الوزير محمد بن عبد الملك الزيّات وزير الخليفة المتوكّل، والذي كان معتزلياً جَلْداً كما يقال، وكان يُعذِّبُ موظَّفيه الماليين الذين يسيئون الأمانة بالإدخال في التنُّور؛ فإذا سألوهُ الرحمة قال: لا رحمةَ؛ لأنَّ الرحمة خَوَرٌ في الطبيعة! ودون تفصيلٍ كثيرٍ بشأن مذهب الأشاعرة في الفعل الإنساني وأنه كسبٌ وليس خَلْقاً؛ فإنه وبنتيجة تلك الخلافات في الرؤى والجدالات، ظهر في الإسلام إذا صحَّ التعبير لاهوتان: لاهوتُ التنزيه والعدل، ولاهوتُ الرحمة والعناية والفضْل.

وما شاء الصوفيةُ الدخولَ في هذا الخلاف الذي شرذم منظومة القيم، رغم محاولات التوليف؛ لكنهم ما عادوا إلى الوراء لإعادة قراءة مفهوم الإيمان؛ بل اختاروا لأنفسهم في العلاقة مع الله قيم الحُبّ والرضا والصِدْق.

ولأن الفقهاء كانوا مهتمين ومعنيين بأعمال المكلَّفين حِلاًّ وحُرمةً وإباحةً وندْباً وكراهية، وبعلاقات الناس بعضهم ببعض؛ فإنهم ما ركّزوا على الخلافات العَقَدية؛ وإنما حاولوا إعادة اللُّحمة إلى أجزاء المنظومة القيمية من طريق التركيز على العدل في علاقات الناس بعضهم ببعض، وعلى الرحمة والتراحُم في علاقة الله بعباده، وعلاقات العباد فيما بينهم. وما أكثـر الفقهاءُ من الكتابـات النظرية؛ لكنّ أبا الحسن الماوردي(-450هـ/1055م) تحدث في "أدب الدنيا والدين" عن الأُصول القيمية التي رآها ضروريةً لصلاح حال الإنسان في الدنيا فعدّها ستاً: دينٌ متّبعٌ، وسلطانٌ قاهر، وعدلٌ شامل، وأمنّ عامّ، وخصبٌ دائمٌ، وأملٌ فسيح. وقد سهّلتْ هذه التوليفيةُ من جانب الماوردي على الفقهاء من بعده الخروجَ من المأزق الكلامي الذي كان قد وضع قيمتين قرآنيتين إحداهما في مواجهةٍ مع الأُخرى، فأمكن بعده مباشرةً عَدّ إنسانية الإنسان ومصالحه مسألة مركزية، عندما ظهرت على أيديهم -وبخاصةٍ فقهاء المالكية- فكرة "مقاصد الشريعة", والتي تعني حفظ المصالح الإنسانية الضرورية، كما ذكر الشاطبي المالكي في "الموافقات في أصول الشريعة". أمّا المصالح الضرورية للإنسان فهي حقوق النفس والدين والعقل والنسْل والمِلْك، والتي أُنزلت الشرائع لصَونها، ويضيفُ الشاطبي: ويقال: إنها مُراعاةٌ في كلّ مِلّة؛ أي أنها معتبرةٌ في سائر الأديان.

-III-

﴿إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يُغيّروا ما بأنفُسهم﴾: أمّا في الإسلام الأول فقد رأى التابعون وتابعوهم أنّ مسألة التغيير أساسُها الإيمان والمقتضيات التي تترتب عليه، والتي يستدعي ترابُطاً بين الاعتقاد والعمل الصالح. ثم تبين لمفكّري الإسلام في العصور الوسطى المبكّرة والمتأخّرة -وبقراءةٍ أُخرى للقرآن- أنّ التغيير الفردي والاجتماعي والإنساني إنما تحكُمُهُ منظومةٌ قيميةٌ تُشَكِّل الدافع والمظلّة والضابط، بحيث دار النقاش في الشروط الأخلاقية للعمل الإنساني، وهل المعتدّ به الحُريةُ والعدالة أم الدوافع والمقاصد، أو أنه يمكنُ إقامة توازُنٍ بينهما.

وآذنت الأزمنةُ الحديثةُ بسقوط هذه المنظومة التي استندت في قرونها الأخيرة على تحالُف الأشعرية مع الصوفية. وجاء هذا السقوط نتيجة تغيُّر العالم، وتغيُّر رؤيته لدى النُخَب العالِمة. فما عادت المسألةُ مسألةَ تحوُّلٍ قيمي وأخلاقي يتمُّ داخل الأفراد والجماعات؛ بل رأت طلائعُ تلك النُخَب أنّ الإشكالية هي إشكاليةُ التقدم، وأنّ التغيير باتجاه تحقيقه بالمعنى الأوروبي إنما يحصُلُ بأمرين: تجديد الوعي بالمنافع العمومية أو المصالح العامة، والتنظيمات. وما شعر رفاعة رافع الطهطاوي الأزهري المصري الذاهب للتعلُّم إلى باريس بالحاجة إلى أسلمة هذا المشروع إذا صحَّ العبير؛ لأنّ المشكلة التي يُواجهُها الشرق ما كانت في عدِّه مشكلةً دينيةً أو قيميةً؛ بل مسألة تنظيماتٍ دنيويةٍ هي التي نهض للقيام بها محمد علي بمصر. بيد أنّ خير الدين التونسي -رغم تلك القناعة- رأى ضرورةَ تبيئة فكرة التقدم هذه (من طريق تغيير الوعي بالمصالح، وإقامة المؤسَّسات أو المشروع السياسي الجديد) في الأفكار الكلاسيكية للفقهاء بشأن المصالح الضرورية للإنسان. وزادت الجرعةُ عند محمد عبده عندما أدخل في النقاش بعد مسألة المصالح (التي أَخذها عن الشاطبي) الحديث عن شروط التقدم التي سمَّاها "السُنَن" بحسب التعبير القرآني. وهكذا فقد تجددت في التفكير الإسلامي حركية إحيائيةٌ زاخرةٌ حقّقت إنجازاتٍ على مستويين: مستوى التواصُل بين النُخَب الدينية، والنُخَب الوطنية الناشئة في ظلّ المشروع السياسي الجديد الذي صارت "التنظيماتُ" وتحقيق شروط التقدم قيمتين جديدتين فيه وله, ومستوى عدِّ الإسلام الاجتهادي الجديد شريكاً- وإنْ صغيراً- في عمليات التغيير والنهوض. بيد أنّ انتكاسةً حدثت في الأمرين (= التواصُل والشراكة) في الثلث الأول من القرن العشرين، وفي المشرق العربي قبل المغرب بعقود، وأفضت منذ الستينات من القرن العشرين إلى صراعٍ ملحميٍّ ومأساويٍّ بين الدين والدولة ما عرفه تاريخُنا القديم والوسيط. لماذا حدثت الانتكاسة، وحدث الافتراق، ثم الصراع؟ هل بسبب صعود فكر الهوية الطهورية نتيجة الغزو الاستعماري؟ لقد حدثت أشياء مشابهة في اليابان والهند والصين؛ لكنها لم تتفاقم، فلماذا تفاقمت عندنا؟ هل لأنّ طبيعة الإسلام بل وطبيعة الديانات الإبراهيمية مختلفة عن الديانات الآسيوية؟ أم أنّ المسألة في اختلاف الوعي لدى النُخَب السياسية الوطنية في طرائق التعامُل مع الدين ورجالاته؟ إنما في كلّ الحالات هناك عدة ظواهر لا بد من ملاحظتها، أولاها: أنّ الربط بين القيم الدينية ومشروع التقدم ظلَّ سطحياً؛ إذ اقتصر على التدليل على أنّ الإسلام لا يُعارض أو لا ينبغي أن يُعارضَ تقدم الأمة ونهوضها. وثانيتها: أنه رغم قيام الدولة الوطنية بعد الحرب العالمية الأُولى؛ فإنها واجهت ضغوطاً لا تُطاقُ من جانب الدول الاستعمارية وبالمشرق والمغرب، وسواء على بُناها الداخلية، أو في مشروع فرْنسة الجزائر وصهينة فلسطين. وبذلك ما استطاعت الدولة الناشئة أن تكسب لمشروعها نُخَباً وفئاتٍ ذات بنيةٍ وثَبات على مَدَياتٍ متطاولة. وثالثة: تلك الظواهر أنّ الحركات الدينية الإحيائية الصاعدة سُرعان ما تحولت إلى تنظيماتٍ حزبيةٍ اصطدمت في الوقت نفسِه بالنُخب الدينية التقليدية فحطّمتْها، وبالأنظمة السياسية فأثّرت تأثيراتٍ غائرةً في شرعيتها، وبخاصةٍ أن أكثر النُخَب السياسية الجديدة في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين كانت نُخباً جديدةً بالفعل, وليست لها جذورٌ اجتماعيةٌ أو ثقافيةٌ قويةٌ، وقد ردَّت بالعنف الشامل على تمردات الإسلاميين الجدد, فأسخطت فئاتٍ اجتماعيةً واسعة, مع غياب أو ضَعف المؤسسات الدينية التقليدية التي كان يمكن أن تلعب أدواراً استيعابيةً بين الجمهور والسلطات، وبين السلطات والحركات الإحيائية المستشرسة.

****

﴿إنّ الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتّى يغيِّروا ما بأَنفُسِهِمْ﴾. أين نحن العرب اليومَ من مسألة التغيير؟ لقد دخلنا بالفعل في زمنٍ جديد هو زمنُ حركات التغيير العربية، ومعالمُهُ الرئيسة ثلاثة: استعادة المسألة القيمية الأَولويةَ التي ما كانت لها في المرحلة المنقضية. فالشعاراتُ أو الأهدافُ المعلنة لحركات التغيير ثلاثةٌ وهي: الحرية والكرامة والعدالة؛ وهي قيمٌ عريقةٌ في الموروث الفكري والثقافي والديني لأمتنا وثقافتها وفهمها لنفسِها الجمعية وأشواقها للعزّة ولكسب الاحترام في علاقتها بالذات والآخر. والمعلَمُ الثاني أنها حركاتُ شباب وجمهور، وليست حركات نُخَب حزبية أو قائدة. وهذا لا يعني انتفاء الطابع الكارزمي منها، فالكاريزما هي كاريزما الجماعة، وكاريزما الأهداف ذات الطابع الطهوري، ولذلك ميزاتُهُ ومخاطرُه. أهمًّ ميزات الحالة الجديدة أنها سلميةٌ بعامةٍ؛ لأنّ الجمهور لا يمارسُ العنف تُجاه ذاته، ولأنه لا حاجة في الغالب لتأكيد الذات من طريق العنف. فالعنف هو شأنُ الأقليات الإثنية أو الدينية أو الحزبية أو العسكرية غير الواثقة من قوتها ومشروعيتها. أمّا المخاطر فتتبدَّى في طهورية الأهداف ومثاليتها المُفْرِطة بحيث تتخذ أحياناً طابَعاً فوق سياسي. والمَعْلَمُ الثالث لحركات التغيير العربية: أنها تجري في سياقٍ عالميٍّ؛ بحيث نستعيدُ التواصُلَ والقواسمَ المشتركة مع العالَم المُعاصر في المجال القيمي/ الثقافي، وفي المجال السياسي.

لقد سقطت الثُنائيةُ الانتحاريةُ التي سادت المرحلة الماضية: استبداد/ تمرد إسلامي, وهكذا نوشِكُ أن نتصالح مع أنفُسِنا باستعادة الجماعة لقوتها ووحدتها، كما نوشِكُ أن نتصالح مع العالَم بالخروج من التصارُع معه باسم الإسلام, فنحن لا نريد أن نخيفَ العالم ولا أن نخافَ منه.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/4/75

الأكثر مشاركة في الفيس بوك