الكتابات اليونانية عن الإسلام في عهد الفتوحات العثمانية

أنجيليكي غريغوري زياكا

 

مدخل:

 

بعد فتح القسطنطينية (1453م) وانهيار الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو البيزنطية(1)، توقفت محاولات الحوار بين المسيحيين والمسلمين، وبدأت آنها بالنسبة إلى المسيحيين وإلى العالم الإغريقي للإمبراطورية المسيحية القديمة -كما يشير إلى ذلك بحق أسقف ألبانيا الحالي أنسطسيوس جيانولاتوس(2)- "مرحلة طويلة من الصبر على الشدة والمثابرة في الأمل". والحال أنه كان المسيحيون قد تعرفوا على عالم الإسلام عن قرب خلال قرون مديدة، وقد بدا آنها إسلاما مسيطرا، بحيث كان وضعه في موقع قوة، وحتى وإن هو قَبِل بالديانة المسيحية، فقد كان مواطنوها يرون أنهم يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية(3). ولهذا الداعي، ما كان يخطر على البال أن تسمح السلطات العثمانية بنشر كتب تنتقد الديانة الإسلامية.

 

هذا وقد عاش المسيحيون وضعا صعبا وعصيبا خلال القرنين الأولين من قرون الفتح العثماني (القرن الخامس عشر-بداية القرن الثامن عشر). وبالموازاة مع تغيير المسيحيين دينهم إلى الإسلام -اختيارا أو اضطرارا- فإن ازدياد تراجع المستوى الفكري للساكنة المسيحية، وكذلك الركود الروحي الذي تأدى إليه هدم المدارس وغياب التعليم وهروب العديد من حملة الأقلام من أهل الإمبراطورية المسيحية القديمة نحو الغرب؛ كل هذه العوامل أسلمت إلى وضع كان في الأصل وضعا مأساويا. وإن ضرورة الحفاظ على بعض القيم الأبدية -شأن الديانة واللغة باعتبارهما المعبّرين عن الهوية الروحية والإثنية لهذه الشعوب- وكذا استبعاد مخاطر الأسلمة؛ كل هذه الاعتبارات قادت ثلة من أهل القلم وبعضا من علماء اللاهوت الذين بقوا بالمكان مقيمين وله مستوطنين إلى كتابة بسائط مؤلفات موجهة إلى الشعب المسيحي بغاية تنويره وتشجيعه(4).

 

II- 1- المحاولات الأولى لصالح حوار إسلامي مسيحي (1453-1600)

 

1- البطريرك جيناديوس سكولاريوس (1405-1472) وأول الحوار مع الإسلام الفاتح:

 

كان البطريرك جيناديوس سكولاريوس(5) أول من حاول تدشين وتنمية حوار مع الإسلام العثماني بدعم من السلطان محمَّد الفاتح، وذلك بعد مضي أيام قليلة على فتح القسطنطينية. وكان أن كتب في هذا الإطار مصنفات ثلاثة، نشأ أولها عن النقاشات التي جمعته ومحمَّدا [الفاتح] في القسطنطينية، بينما كان الثالث حوارًا جمعه وأعيان عثمانيين من مدينة سيريس.

 

هذا وقد حمل المصنف الأول عنوان: "في السبيل الأوحد الذي يقود إلى خلاص بني البشر"، بينما كان المصنف الثاني عبارة عن مختصر للنقاشات أنجزه البطريرك بطلب من [السلطان] محمَّد الثاني، وذلك حتَّى يكون النص مفهوما للقراء المسلمين، وقد تم نقله إلى اللسان التركي. والحال أنه لا يوجد عنوان معروف لهذا النص؛ بيد أنه يحمل الإشارة الدالة التالية: كتب هذا المصنف الثاني باللسان العربي؛ وذلك لأنه طلب من صاحبه نص موجز وواضح يدور على المسائل التي كانت موضع جدل؛ أي على تلك الموضوعات المتعلقة بإيماننا. وقد حرر بهذه الكيفية حتَّى يكون الأوضح دركا والأيسر فهما ما أمكن ذلك لمن ليسوا من أهل الاختصاص(6). وحسب الحواشي التي تؤطر النص الأول، فإن هذا النص قد تم الشروع في تحريره بعد زيارة مرتجلة قام بها السلطان محمَّد الثاني إلى دير العذراء باماكارتيوس حيث كان قد تم نقل كرسي البطريركية(7), وقد طلب [السلطان] محمَّد آنذاك -بعد زيارته أجنحة الدير- التعرف على إيمان المسيحيين. وجوابا عن الأسئلة التي وضعها عليه السلطان، قدم البطريرك خلاصة موجزة لكنها وافية عن التعاليم المسيحية، مركزا في الوقت ذاته على أوجه الائتلاف وأوجه الاختلاف مع الديانة الإسلامية. وقد أثار هو موضوع الإيمان المسيحي بالله وبالثالوث المقدس وبمعنى تجسد المسيح بوسمه كلمة الله وابنه وبخلاص الإنسان. فما كان من السلطان محمَّد إلا أن أعجب بهذا العرض السريع لمبادئ الإيمان المسيحي، وحدث أن نظم هو نقاشا ثانيا، فثالثا، مع علماء الكلام المسلمين. وقد بدا أن هؤلاء اشتكوا من أنهم ما كانوا قادرين على مواصلة النقاش، وذلك سواء بسبب عدم معرفتهم باللسان الإغريقي أو بعامل من كثافة المفاهيم التي عرض بها سكولاريوس تعاليم المسيحية. ولهذه الحيثية طلب منه السلطان إيجاز نصه وتيسيره حتَّى يكون "بينا ومفهوما لغير أهل الاختصاص"(8). فكان أن أعاد سكولاريوس صياغة كل ما دار من نقاش في اللقاءين الأولين صياغة أبسط وأوجز، ثم نقل هذا النص إلى اللسان التركي أحمد قاضي مدينة فريا (مدينة تجارية بمقدونيا)، وذلك حتَّى يتم التعريف بوجهات نظر المسيحيين. هذا وقد نشر مارتينوس كروسيوس (1526-1607) -أستاذ بجامعة توبنغن- نص سكولاريوس الثاني بعد ذلك بمائة عام ضمن مجموع يدعى "المجموع التركي اليوناني"، وذلك باللسانين معا(9). وقد سمى باحثون بعد ذلك هذا المجموع باسم "العقيدة الإيمانية"(10)، وذلك على الرغم من أن سكولاريوس ما كان قدم هنا عقيدة إيمانية، ولهذا ما كان سمى كتابه "إقرارا بعقيدة". وتخبرنا المصادر التاريخية عن أن هذه المجادلات أثمرت نتائج إيجابية. وقد أعجب [السلطان] محمَّد الثاني بحكمة البطريرك، وكانت لهذا التقدير آثار إيجابية على المسيحيين؛ بينما نالت البطريرك نفسه حظوات. وحسب ما ذهب إليه محرر كتاب "التاريخ البطريركي" -الذي كان قد نشر ضمن المجموع التركي اليوناني- فإن السلطان -الذي كان يكن تقديرا عميقا لشخص البطريرك- تحمس أيما تحمس لهذه المجادلات إلى حد أنه: "أحب البطريرك حبا جما... ورغب في أن يُعْرَف بين الجميع أن هذا الرجل كان إنسانا شديد الحكمة ورعا تقيا"(11).

 

حمل النص الثالث عنوان "أسئلة وأجوبة عن ألوهية ربنا يسوع المسيح"(12)، وقد تعلق الأمر بنقاش كان قد جرى بين جيناديوس وضباط كبار مسلمين من جند مدينة سيرس، وذلك بعد أن كان جيناديوس هذا قد استعفى من السدة المسكونية وآثر الركون إلى العزلة في دير القديس بودروم(13). وكان قد بعث الجند إلى الدير بجندي حمّلوه أمراً كتابيا إلى سكولاريوس يدعوه إلى ضرورة العودة إلى مدينة سيرس، وذلك من غير أن يذكروا سبب هذا الأمر, ولما مثل الرجل بين أيديهم، أعربوا له عن رغبتهم في إجراء نقاش معه حول مسائل الإيمان المسيحي والإسلامي(14).

 

وقد بقيت ذكرى نقاشات البطريرك والسلطان منقوشة محفوظة غضة في التقليد المسيحي، ليس فحسب في التقليد المسيحي الشرقي وحده؛ وإنما في التقليد الغربي أيضا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، شكلت هذه النقاشات موضوع لوحة رسمها رسام البندقية جانتللي بليني الذي كان زار لهذا السبب القسطنطينية عام 1470 بدعوة من السلطان محمَّد. ويخبرنا إيفانجلديس [صاحب كتاب سير القديسين] (1896) أن رحالة إنجليز اشتروا اللوحة بالبندقية, وهي توجد اليوم ضمن مجموعة اللود كراوفورد بلندن، وقد بعث السفير التركي بإنجلترا -كوستانتينوس موسوروس باشا- بنسخة منها إلى البطريركية حيث يمكن أن نشاهدها اليوم معلقة على الجدار يمين المدخل الرئيس للبطريركية المسكونية(15).

 

ومن بين العديد من مؤلفات البطريرك جيناديوس اللاهوتية والفلسفية والتاريخية، يمكن الإشارة إلى كتابه "مراثي في مصائب الحياة". ويكتسي هذا المؤلَّف أهمية قصوى بسبب المعلومات والتفاصيل التاريخية التي تضمنها عن حياة جيناديوس وعن تآليفه، هذا فضلا عن وصفه لوضع الكنيسة خلال الأعوام الأولى من فتح العثمانيين المسلمين. ويرثي جيناديوس ما نزل بالقسطنطينية وبكافة الإمبراطورية التي يتذكر ماضيها التليد المجيد، ويخلص إلى أن مرد ذلك إلى قدر إلهي، وإلى أحكام القدرة الإلهية التي لا يمكن سبر أغوارها ولا اكتناه أسرارها(16).

 

2- جورجيس التريبزوندي ومحاولات الوفاق اليونانية ـ التركية:

 

من بين العديد من أهل القلم المنفيين في ذلك الزمان الذين كانوا يدرسون الآداب الإغريقية بالغرب، ويمثلون في البلدان الأوروبية سفراء لمواطنيهم المستعبدين، قليل منهم من اهتم بالمسائل المتعلقة بالإسلام وبالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين في كنف الإمبراطورية العثمانية. وواحد من هؤلاء -في العشريات الأولى بعد فتح القسطنطينية- كان هو جورجيس التريبزوندي (1396-1484). وقد نشأ بشاندكاس -وهي مدينة تقع في جزيرة كريت- لكنه ينحدر من مدينة تريزبوندا (على ساحل البحر الأسود)، وقد درس بإيطاليا وقام بتدريس الآداب الكلاسيكية بالبندقية وروما ونابلي، كما كان عين أيضا مديرا لمكتبة الفاتيكان(17), وكان أن توفي بروما عام 1448.

 

وقد ألف جورجيس التربيزوندي مصنفات عدة، نذكر من بينها دراسة تحت عنوان: "في حقيقة الإيمان المسيحي", حاول من خلالها إقامة جو من التفاهم بين اليونانيين والعثمانيين. وفي هذه الدراسة -التي وجهت إلى السلطان في يوليو من عام 1453 بعد فتح القسطنطينية بعهد قريب- حاول الرجل إقناع السلطان بإمكان إحداث تقارب بين اليونانيين والعثمانيين، شريطة استبعاد العوائق الدينية التي تفصل بين الأمتين. ولهذا أبلى بلاء حسنا في تجسير الهوة التي كانت تفصل المسيحيين عن المسلمين، وفي الاستدلال على أنه ليست توجد خلافات جوهرية -في حقيقة الأمر- بين الإنجيل والقرآن(18). وإذ كان قد علم أن [السلطان] محمَّدا الفاتح كان حساسا لتقليد عريق للإمبراطورية الرومانية الشرقية، ولأهمية تركيز السلطة كلها بين يديه، وما زال يفعل حتَّى تلقب بلقب "أمير الأتراك والرومان" ـ فإن جورجيس التربيزوندي حضه على أن يصير "أمير الأتراك والرومان" بحق، وأن يدعو إلى مجمع إسلامي/مسيحي حتَّى يحقق هو الوحدة المنشودة بين الديانتين.

 

والحال أن هذا المشروع كان مشروعا صادقا؛ إلا أنه كان مشروعا بلا أفق منتظر، فلم تكن له أية فائدة مباشرة، وذلك بحكم أن العالم العثماني الإسلامي -وقد كان في أوج قوته- ما كان مستعدا على الإطلاق لتقديم تنازلات سواء على المستوى الديني أو السياسي(19). على أن هذه الأيديولوجيا وجدت -مع ذلك فيما استقبل من الزمان- أنصارا لها في المجال السياسي، وذلك لما صار أعيان يونانيون -بعد القرن الثامن عشر- يحتلون مناصب مختلفة ومواقع ثقة في الجهاز الإداري العثماني، كما أمسوا يمارسون تأثيرا مهما على المسؤولين في السلطة السياسية العثمانية.

 

3- جورجيس أميروتزيس(20): مداح التعاون اليوناني/التركي:

 

في البدء، نقول: إن الذي كان يوجه أنصار سياسية التعاون اليوناني العثماني إنما هو محبتهم للإيمان وللشعب المسيحي الذي أرادوا أن يخففوا عنه المصائب التي حلت به, ومع ذلك، فإن هذا الأمر ما منع بعضهم من أن يهدف إلى تحصيل فوائد شخصية, ولقد كان أحد أشد هؤلاء حماسة لمديح مثل هذا التعاون اليوناني التركي -فيما بين 1461 و1470- جورجيس أميروتزيس التريبزوندي.

 

كانت تريبزوندا ـ وهي مدينة تاريخية هامة ومركز تجاري نشيط في الشمال الشرقي من البحر الأسود ـ تشكل عاصمة الحضارة الهلينية منذ العصر القديم، وفي عام 1204 -لما استولت الحملة الرابعة على القسطنطينية- أسس أليكسس الأول كومنين أمبراطورية تريبيزوندا التي قاومت حتَّى عام 1461. وقد شهدت الإمبراطورية تطورًا سريعاً كما أن عاصمتها [تريبيزوندا] استحالت مركزاً للفنون والآداب الإغريقية. ولما غزا [السلطان] محمَّد الثاني إمبراطورية تريبيزوندا عام 1461 كانت عاصمتها تشهد على حياة ثقافية ملفتة للأنظار. وبأمر من السلطان تم نقل أهل القلم -فضلا عن العديد من الأسر الشهيرة، التي كان من بينها آخر إمبراطور داود الكوميني ـ وتوطينهم بالقسنطينية أو بأندينوبل، فأسهموا في التطور الفكري والاقتصادي لهاتين المدينتين(21).

 

ويعد جورجيس أميروتز من بين أهل قلم تربيزوندا الذين أقاموا بالقسطنطينية، وكان كلف بمهمة تعهد ملبس الإمبراطور داود, ولقد كان الرجل شديد الذكاء متعدد الاهتمامات، ونصيراً للصداقة اليونانية التركية التي كان يطمح من ورائها إلى جني فوائد شخصية. وعاش بالقسطنطينية ما بين أعوام 1461-1470، وكانت تجمعه بباشا السلطان مودة، مثلما كان يتمتع بامتيازات خاصة إلى أن فاجأه الموت (1464-1470). ونحن لسنا نعرف ما إذا كان قد بدل دينه إلى الإسلام أم لا, وإن حياته لتتأرجح بين الدينونة للسيطرة العثمانية والانتهازية السياسية, ويبدو أن ابنين من بنيه عُدا مسلميْن، ومارسا تأثيراً هاماً على الدوائر المسيحية بالقسطنطينية لصالح الإسلام(22).

 

وقد كتب جورجيس هذا دراسة أهداها إلى السلطان، وكان قد بذل الوسع فيها لبيان أن الديانتين ـ المسيحية والإسلامية ـ تشتركان في مواطن عدة، والحال أن هذه الدراسة التي ضاع أصلها اليوناني قد حفظت لنا في ترجمة لاتينية بالمجموع المدعو باللاتينية (Codex Parisianus Catinus) رقم 3395، F. 83 - F. 144، تحت العنوان اللاتيني: "Dialogus de fidei christianorum habitus cum regno turcarum "(23) [حوار مع السلطان التركي عن الإيمان المسيحي]. ويتعلَّق الأمر بنص ذي مضمون لاهوتي وفلسفي كان يأمل منه صاحبه، بالرغم من أنه ما كان يأمل أبدًا في ارتداد السلطان عن دينه إلى الدين المسيحي، بحدوث تعايش سلمي بين الديانتين. وقد اقترح على السلطان أن تتوحد المسيحية والإسلام لكي تشكلا ديانة واحدة، مؤكَّداً على أن الفوارق بين الكتابات المقدسة والقرآن تم التهويل منها بفعل ترجمات فاسدة. وإن لمن شأن توليف تعاليم كل ديانة على حدة وقراءة للديانتين بالتبادل أن تسمحا لهما بالتوحّد.

 

والحال أن جورجيس أمبيروتز -وعلى الرغم من دركه بواقعية لمشكلة التعايش بين الديانتين- ما أفلح في حمل المسيحيين والمسلمين -على حد السواء- على مشاطرته أفكاره. إذ اعتبره المسيحيون مارقا عن الدين المسيحي؛ بينما بقي المسلمون كما كان ينتظر منهم ذلك ـ وقد كانوا المنتصرين والمسيطرين ـ غير مبالين باقتراحاته. فلم يجْنِ الرجل إلا عدم مبالاة المسلمين، ومن جهة أخرى، ما قوبل إلا بحنق المسيحيين على لغته المزدوجة. وعلى الرغم من محاولاته المتأخرة في تبديد أنحاء سوء التفاهم، فإنه ما أفلح أبدا في كسب ثقة اليونانيين الذين كانوا يعدّون مديحه الديانة الإسلامية وقبوله بتعاليمها الأساسية بمثابة مروق عن الملة. وقد عد بعض المؤرخين أن أمبيروتز تحول إلى الإسلام(24)؛ بيد أنه لا أمارة دالة حقا يمكن أن تسمح بتأكيد ما ذهبوا إليه. وقد كتب البروفيسور توماداكيس دراسة مطولة عنه أبدى فيها نقدا أكثر اعتدالاً من ذاك الذي قدمناه(25). وإذا ما نحن أخذنا بعين النظر رسالة له كان وجهها إلى الكاردينال بيساريون التمس منه فيها أن يمنحه بعض المال بغاية تحرير ابنه الذي -كما حكى بنفسه- "عذب وأسيئت معاملته؛ لأنه كان رفض أن يخون ديانة أبيه"؛ فإنه يمكننا أن نعدّ تحفظات البروفيسور توماداكيس -المتعلقة بإمكان أن يكون أميروتيز قد تحول إلى الإسلام- مبنية على أسس متينة.

 

II- 2- أهل القلم بالغرب ومقاربتهم للعلاقات اليونانية التركية:

 

طورت غالبية عظمى من أهل القلم اليونانيين بالغرب مقاربة مختلفة للعلاقات اليونانية/التركية. وفي الوقت الذي عمل فيه هؤلاء على ازدهار ثقافة الآداب الكلاسيكية -مثلما أسهموا في روح النهضة الأوروبية- كانوا إزاء البلدان الأوروبية بمثابة سفراء لمواطنيهم الذين كانوا يحيون على المحنة، كما بادروا هم إلى الكفاح لصالح تحريرهم. وإن إسهاماتنا في هذا الفصل لتتركز على فحص أدق للموضوع، وذلك في أفق المنعطف المعادي للعثمانيين الذي أحدثه أدباء المهجر، والمجهودات التي بذلوها لإقناع قوى الغرب بتحرير مسيحيي الشرق. وقد عاب بعض زعماء الكنيسة وبعض أهل القلم الذين مكثوا بوطنهم بعد فتح القسطنطينية على هذه النخبة تخليها عن بلدها مسلّمة إياه إلى يدي العثمانيين، مفضلة بالبدل من ذلك تأمين ملجأ بالغرب. وقد أعادت ترديد هذا الاتِّهام -في حقبة قريبة- مجموعة مهمة من المؤرخين والمثقفين اليونانيين. ولقد كان الحكم الأشد قسوة -بهذا الشأن- ذاك الذي أصدره المؤرخ المعاصر قسطنطينوس باباريغوبوليس الذي -وإن هو مدح نهضة الآداب اليونانية في الغرب- رأى أن أهل القلم تخلوا عن مواطنيهم وأسلموهم إلى محنة العبودية والقسوة في الوقت الذي كانوا فيه أحوج ما يكونون إلى مساندتهم. وقد رأى -من جهة أخرى- أن أغلب أهل القلم من اليونانيين الذين لجأوا إلى الغرب سرعان ما تأثروا بالنموذج اللاتيني بقوة. وذلك مثلما اضطرت مدارس وطنهم الأصلي التي أمست بلا معلمين إلى الإغلاق، واحتاج الأمر إلى قرنين من الزمن حتَّى تقتدر النزعة الهلينية من جديد على فتح مدارس جديدة وتكوين شباب قادر على خدمة هذه النزعة(26). والحال أنه تبدو لنا مثل هذه الأحكام مبالغاً فيها وغير مبررة(27)؛ ذلك أن أهل القلم من اليونانيين أسدوا بالفعل خدمات جليلة إلى بلدهم الأصلي في مختلف البلدان الأوروبية التي كانوا قد وجدوا فيها موئلا وملاذا. فقد أمسوا سفراء في الغرب لمسيحية الشرق وللنزعة الهلينية، وتجندوا تجندا نشيطا بغاية إسقاط الإمبراطورية العثمانية وتحصيل الحرية لمواطنيهم. وقد حسب العديد من أبرزهم أنه يمكن للنزعة التوسعية العثمانية التي كانت تهدد الغرب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أن تُحتوى بفضل من تكتل قوى المسيحية وتدخلها في اليونان وفي بلدان البلقان. وإن الشهرة التي كان يتمتع بها بعض أهل القلم مكنتهم من مخاطبة عاهلي أوروبا مخاطبة مباشرة, بغاية أن ينقلوا إليهم مقترحات ومشاريع تدخل في الشرق المسيحي تستهدف الانقلاب على السيطرة العثمانية والإسلامية(28). وقد كتب البروفيسور سفرونوس بهذا الشأن: "لم يكتف أهل القلم الذين وجدوا موئلا لهم في الغرب بالقيام بأنشطة أدبية، وإنما أسهموا إسهاما نشيطا في الحياة السياسية لعصرهم، وجعلوا من أنفسهم دعاة نشيطين لصالح شن حملة على الأتراك"(29).

 

والحال أن تيار هجرة أهل القلم اليونانيين إلى الغرب كان قد بدأ قبل فتح القسطنطينية بزمان؛ إذ بدأ منذ نهاية القرن الثالث عشر الميلادي قبل أن يشتد في النصف الثاني من القرن الرابع عشر ويبلغ أوجه في النصف الأول من القرن الخامس عشر. وبعد فتح القسطنطينية لم يبق إلا القليل من أهل الشهرة من أصحاب القلم يقطنون المدينة أو يقطنون المراكز الحضارية الكبرى في الشرق بعد أن انتقلت إلى الحكم العثماني(30).

 

ولقد أسهم أهل القلم اليونانيون الذي لجأوا إلى الغرب (أساسا في المراكز الفكرية الكبرى بإيطاليا، وأيضا بفرنسا) -مثلما نعلم- في ازدهار النهضة الأوروبية، وذلك من غير أن يكونوا -مع ذلك- في أصل منشأ هذه الحركة الفكرية والفنية، على عكس ما صرح به الكثير من المؤرخين. والحال أن إسهام أهل القلم البيزنطيين أولئك تبدى إسهاما ثمينا لا سيما بالنسبة إلى الغرب في عهد أعادت فيه أوروبا اكتشاف عهد القدامة الإغريقي، ولا سيما عبر تعلم اللسان والأدب، ونقل الفلسفة، ونشر عدد كبير من مخطوطات النصوص القديمة التي كان أهل القلم اليونانيون يجيدون تفسيرها والتحشية عليها، وهكذا استقبل الغرب "نزعة إنسية مبكرة تطورت تطورا كبيرا خلال الأعوام الأخيرة من الإمبراطورية البيزنطية"(31). وفي هذه الأرض الغربية -التي استقبلتهم برحابة صدر- طوّر هؤلاء في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين نشاطا فكريا مذهلا، لا بوصفهم كانوا مدرسي اللسان والأدب الإغريقيين فحسب، وإنما أيضا بحسبانهم كانوا محققين للنصوص الإغريقية الكلاسيكية وشارحين لها وناشرين(32).

 

وقد بدأ البحث اليوناني الحديث الاهتمام بأهل القلم الذين كانوا يحيون في المنفى بدءا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، واهتم باحثان على وجه الخصوص بهذا الموضوع، هما ساتهاس ـ وهو مؤلف غزير الإنتاج ـ وباباريغوبوليس. وقد عمد الأول عام 1865 إلى وصف كفاح أهل القلم والشعب اليوناني منذ فتح القسطنطينية إلى عام 1821، وفي مصنفه "اليونان تحت السيطرة التركية" روى ساتهاس عن جهود اليونان المتصلة لكسر قيد السلطة العثمانية. وقد عالج -على وجه الخصوص في الصفحات التسعين- مكافحة أهل القلم من أهل المنفى بغاية استرداد الهلينيين والمسيحية الشرقية من السيطرة الإسلامية للعثمانيين. وفي مؤلف له آخر -نشره تحت عنوان: "الأدب الهليني الجديد"- فحص بالتفصيل الوضع الفكري للنزعة الهلينية(33). وقد تطرق باباريغوبوليس بإيجاز إلى هذا الموضوع في كتابه: "تاريخ الأمة اليونانية"، وأفرد فصلا قصيرا -إلا أنه مكثف- لأهل القلم اليونانيين من أهل المنفى(34). هذا وقد اغتنت جملة المؤلفات الخاصة بهذا الموضوع طوال القرن العشرين، ولا سيما منه نصفه الثاني. غير أن أغلب الباحثين اهتموا بدراسة تاريخ الدراسات الإغريقية وتطور الأدب الهليني الجديد. ولهذا لا نجد في كتاباتهم إشارات -اللهم إلا على نحو غير مباشر- إلى كفاحات أهل القلم اليونانيين ضد الإسلام وضد السلطة العثمانية(35).

 

وقد أمسى ثلاثة من أبرز أهل القلم اليونانيين ممن لجأوا إلى الغرب من أهم ممثلي الآداب وحركة الكفاح لاسترداد الهوية الهلينية والمسيحية الشرقية من السيطرة الإسلامية للعثمانيين. ويتعلق الأمر تباعا بمانويل كريولوراس الذي وصل إلى إيطاليا منذ عام 1390 باعتباره سفيرا للإمبراطور مانويل الثاني، وببيساريون الذي أقام بالغرب عام 1440، وبلانوس لاسكاريس الذي لجأ إلى إيطاليا بعد سقوط القسطنطينية. وقد حذا حذوهم عدد كبير آخر من أهل القلم البارزين الذين طوروا الدراسات اليونانية والإنسية وأنشأوا لدى الطبقات الحاكمة الأوروبية تيارا من التعاطف لصالح النزعة الهلينية، محاولين في الوقت ذاته إقناع عاهلي أوروبا بالمبادرة إلى شن حرب صليبية ضد الشرق المسلم.

 

ازداد مانويل كريسولاراس بالقسطنطينية حوالي منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، واكتسب شهرته بوسمه مدرِّساً ذا قيمة خاصة، وخطيباً مفوها وفيلسوفا, وكان تلميذا لدميتروس كيدونيس وصديقا للأمبراطور مانويل الثاني. وقد بعثه هذا سفيرا إلى إيطاليا حيث تم استقباله بحفاوة كبيرة بفعل شهرته التي كانت تتوجه أينما حل. وقد دعي إلى تدريس اليونانية والأدب اليوناني بجامعة فلورنسا حيث مكث هناك ما بين الأعوام 1396 و1399، وجذبت محاضراته جمهورا واسعا من المثقفين الإنسيين بإيطاليا، ثم إنه دعي بعد ذلك من طرف مختلف المراكز الإنسية بإيطاليا حيث أقام مدة بميلانو، قبل أن يشد الرحيل إلى بادوفا حيث درس بجامعتها الشهيرة التي تأسست عام 1361. وبعد إقامة قصيرة بالقسطنطينية عاد إلى إيطاليا بوسمه سفير الإمبراطور، وشرع في جولة دبلوماسية طويلة قادته إلى إنجلترا وإلى فرنسا (وأغلب الظن إلى إسبانيا أيضا). وقد أُلفت بينه وبين البابا جريجوار الثاني صداقة (وهو البابا أنجلو كوريرو الذي نصب بابا ما بين الأعوام 1406-1415). هذا الذي بعث به إلى ألمانيا بغاية تحضير المجمع الكنسي كونسطانس (1414-1418)، ثم ما لبث أن وافته المنية بكونستانس عام 1415.

 

ويسجل حضور كريستولاراس منعطفا في تاريخ الآداب اليونانية بالغرب(36)، فقد مهد السبيل بإيطاليا إلى أهل القلم البيزنطيين الذين التجأوا إلى البلد في ما بعد. وإن التأثير العظيم الذي مارسه على دعاة النزعة الإنسية بإيطاليا لهو منبع الاهتمام الكبير الذي حظيت به اليونان القديمة، وقد تبدى هذا التأثير -فيما بعد- لما عمد أهل قلم يونانيون شهيرون ـ شأن بيساريون ولاسكاريس ـ إلى استحداث تيار من التعاطف لصالح العالم المسيحي الشرقي بوسمه حافظ التراث الإغريقي القديم، وإلى إقناع عاهلي الغرب بمساندة إمبراطورية الشرق في الكفاح الذي خاضته القسطنطينية، وبعد سقوطها في خوض المعركة من أجل استرداد سيادتها.

 

ولقد كان تأثير كريسولاراس على دعاة النزعة الإنسية بالغ الأهمية، فهو الذي ألهم العديد من أهل القلم ودعاهم إلى زيارة القسطنطينية بغاية تعلم اللسان والآداب الإغريقيين. ومن بين تلامذته بفلورنسا غوارينو الفيروني وفرانشسكو فيلفو(37)، فضلا عن أينياس سيلفيوس. وقد زار فيلفو -الذي سوف يمسي البابا بيوس الثاني- مع هؤلاء القسطنطينية لتعلم اللسان اليوناني. وقد ذهب أينياس سيلفيوس إلى حد الإعلان بأن لا حامل قلم يمكنه أن يهذب ثقافته ما لم يزر القسطنطينية. وكما ذكر مونييه -المؤرخ الفرنسي لعصر النهضة- فإن داعية الإنسية الإيطالي غوارينو قارن -باندفاعة شاعرية- غنائية كريسولوراس بشمس أنارت إيطاليا التي كانت غارقة في الظلمة(38). وأكد أن ذاك الرجل كان إغريقيا أصيلا، ورجلا نبيلا، وذا ثقافة واسعة، وأنه كان يحذق -فضلا عن اللسان اليوناني- اللسان اللاتيني. فكان -بحسب ما كتبه مونييه- رجلا جادا ومتزنا رزينا وورعا حكيما، بدا وكأنه خلق من أجل الفضيلة والمجد، وقد أثبت أنه حجة في مجال الآداب ما من سبيل إلى التشكيك فيها(39).

 

والحال أن أسقف نيسيا -الذي أمسى فيما بعد كاردينالا؛ أعني يوحنا بيساريون (1403-1472)، والذي كان أشهر أهل القلم اليونانيين الذين كانوا يعيشون بالمنفى- ما توقف أبدا عن الكفاح من أجل تجميع تحالف بأوربا بغاية نجدة مسيحيي الشرق. ولقد كافح الرجل بداية من أجل منع الاستيلاء على القسطنطينية، وبعد فتحها حاول إقناع عاهلي الغرب بالمبادرة إلى بعث سرية بغاية إعادة إقامة إمبراطورية الشرق المسيحية ونجدة المسيحيين واليونانيين من الديانة الإسلامية.

 

ولقد لعب بيساريون هذا دوراً مهما لا سيما في الحركة الفكرية لعصره، وكان الرجل قد ازداد عام 1403 بتريبيزوندا، ودرس بالقسطنطينية حيث نشأت بينه وبين المفكر الإنسي الإيطالي فرانشسكو فيلفو ـ الذي كان يتابع تعليمه بعاصمة الإمبراطورية البيزنطية ـ مودة أكيدة. وعن طريقه اتصل بدعاة الإنسية الإيطاليين، وعلم بالاهتمام الكبير الذي صار لإيطاليا بفن اليونان القديمة وآدابها. وبالقسطنطينية نبغ الرجل داخل الوسط الكنسي وعين أسقفا على نيسيا، وبهذه الصفة رافق الإمبراطور يوحنا الثامن إلى المجمع الكنسي فيراري ـ فلورنسا (1438-1439) الذي أعلن عن توحيد كنائس الشرق والغرب. وإذ كان مقتنعا -على غرار أهل قلم آخرين من أنداده- بأن الخلاص الوحيد الممكن للشرق المسيحي لن يتم إلا بالاندماج في الغرب، فإنه أنشأ من نفسه مدافعا متحمسا عن وحدة الكنيستين. ولقد كان يعشق اليونانيين والشرق عشقا؛ لكنه ما كان ليفهم أبدا أنه كان من الصعب بل من غير المبرر لمواطنيه أن يتخلوا عن تقاليدهم الدينية وأن يلتحقوا بالغرب. وفي عام 1440 -وبعد إقامة قصيرة بالقسطنطينية حيث كان المناخ معاديا لمناصري الوحدة- عاد الرجل إلى إيطاليا ـ مركز النزعة الإنسية ـ حيث أقام بها مقامه الأخير. وقد كلفه البابوان أوجينيوس الرابع (1431-1447) ونيكولاس الخامس (1447-1455) بمهام عدة قبل أن يعمدا إلى تنصبيه كاردينالا. وقد استحالت إقامته بروما إلى مركز لقاء لذوي النزعة الإنسية، فكان من بين أصدقائه أشهر ممثلي هذه النزعة شأن جيان فرانشسكو بوجيوكاتشيولي ولوزنزو فالا. ثم إن الرجل أنشأ حلقة لأهل القلم عُدت بمثابة أكاديمية نوقشت فيها القضايا الفلسفية والأدبية، وباعتباره من حماة الآداب الإغريقية، التف حوله أهم رجال القلم اليونانيين أنظار ميخائيل أبوستليس وجورجيس التريبيزوندي وتيودروس غازيس وأندرونيكوس كاليستوس وغيرهم كثير، وقد شكلت هذه الجماعة الظهور الأول الأهم لنهضة الآداب اليونانية بروما.

 

وقد اعتنى بيساريون على وجه الخصوص بردم الهوة التي كانت تفصل بين الغرب اللاتيني والشرق الإغريقي، وبحسب ما أورده مؤرخ سيرته الفرنسي فاست، فإن بيساريون كان أوحد عصره من حيث الذوق الرفيع، وكان تجسيدا تاما لتلاقي الروح اليونانية والروح اللاتينية. هذا مع تقدم العلم أن هذا التلاقي هو الذي تنشأت عنه النهضة. وقد ذكر فاست -مستلهما في ذلك عبارة لورنزو فالا- أن حقيقة الرجل أنه كان: "إغريقيا تلتن، ولاتينيا استغرق"، وذلك مثلما وصفه بأنه إنما كان مفكرا لاهوتيا سكولائيا مبكرا، وتلميذا لأفلاطون، وعاشقا للقدامة وبها مولها، ورأى أنه أسهم أكثر من غيره في انبثاق عهد جديد، ولئن هو ظل متمسكا بمثال الوحدة المسيحية، فإنه أوقف حياته للدفاع عن حملة صليبية جديدة لتحرير المسيحية الشرقية من السيطرة الإسلامية(40).

 

بدا بيساريون -إذن- بوصفه أحد أبرز الشخصيات بين حملة القلم ورجال الدين الإغريق من القرن الخامس عشر الميلادي الذين لجأوا إلى الغرب، وهو يعد بحق أحد أكثر أهل عصره موسوعية، ولقد كان الرجل عالم لاهوت وفيلسوفا وداعية إنسيا وحاميا للآداب، وفضلا عن هذا كان مصنف كتب عديدة متنوعة ما أفصحت فحسب عن سعة ثقافته واهتماماته؛ وإنما عبرت أيضا عن معرفته التامة بقضايا وطنه الأصلي(41). وذلك مثلما تبين أيضا أنه كان من بين الممثلين السياسيين لمواطنيه المستعبدين في أوروبا الأمهر والأحرص والألح. فقد أمضى عمره جاهدا -بلا ثمرة- في لملمة تحالف وشن حملة على العثمانيين وعلى الإسلام. وتشهد النصوص التي خطتها يده -والتي تدعم دعواته بمخططات تدخلات في اليونان وفي بلاد البلقان وفي آسيا الصغرى- على توجيه خطاباته [إلى عاهلي أوروبا الغربية]، وكانت تروج (سواء في صيغة مخطوطات أو مطبوعات) في أهم المراكز الحضارية بأوربا الغربية. ولقد سافر الرجل كثيرا إلى العواصم الأوروبية وخاطب البرلمانات، كما توسل إلى العواهل والبابوات والنبلاء يحسسهم بمصائب وطنه، ويحذرهم من المخاطر التي تواجه المسيحية برمتها. هذا ولقد كان بيساريون -بقطع النظر عن الأفكار الكبرى التي كان يناقشها- مهتما على وجه الخصوص بأمر الانقلاب على الإمبراطورية العثمانية وبإحلال الهزيمة بالإسلام.

 

ولما علم الرجل بفتح القسطنطينية (1453) كتب إلى قاضي القضاة في جمهورية البندقية فرانشسكو فوسكوري (1423-1458) بغاية إثارة انتباهه إلى الخطر العثماني والإسلامي الذي بات يتهدد أوروبا، ولحضِّه على بعث إرساليات ضد العثمانيين(42). وإذ كان صديقا للبابا كالكسته الثاني (1455-1458) ثم مرتبطا أشد الارتباط بالبابا الإنسي بيوس الثاني (1485-1464)، فإنه أقنع هذين بالشروع في محادثات مع عاهلي أوروبا المسيحيين لإعلان الحرب على الأتراك المسلمين(43). وما أن اعتلى كالكسته سدة البابوية حتَّى دافع بحماس عن أفكار بيساريون، على أن مجهوداته باءت بالفشل بسبب اعتراض ملك فرنسا شارل السابع. وبعد وفاة كالكسته أقنع بيساريون صديقه المقرب البابا بيو الثاني باستدعاء جمعية عامة لعاهلي أوروبا، وقد بادر من جهته إلى مراسلة كل عاهلي المسيحية عارضا آراءه، حاضا على التوجه إلى اجتماع مانتو (1459) لمناقشة مشروع حملة على العثمانيين. ولقد استقبل هذا الاجتماع مبعوثين من رودس وقبرص وإبيروس وغليروس وبيلوبونيز والعديد من مناطق البلقان لتدارس وسائل احتواء المد العثماني. بيد أن هذه المحاولات باءت بالفشل نظرا لأن أهل البندقية ما كانوا يأملون في قطع علاقات الصداقة التي كانوا قد أقاموا وشائجها مع [السلطان] محمَّد الثاني الفاتح(44). إلا أن هذا ما أثنى أبدا بيساريون عن إتمام هدفه بالمرة، فعاد إلى مكاتبة عاهلي أوروبا يحضهم على اتخاذ مبادرة مشتركة. وإذ أفلح هذه المرة في إقناع أهل البندقية، الذين تأزمت علاقتهم مع العثمانيين، فإنه فشل في تليين موقف ملك فرنسا لويس الحادي عشر. ومن البندقية راح بيساريون إلى ألمانيا، ووجه من نورنبرغ دورية إلى كل عاهلي أوروبا هدفت إلى تحقيق المبتغى عينه. وقد أفلح في أن ينظم بألمانيا اجتماعين اتخذت في غضونهما العديد من القرارات؛ لكنها لم تجد أبدا طريقها إلى التنفيذ(45). على أن الرجل ما تعب من هذا الأمر أبدا، وإنما راح إلى فيينا وأمام الإمبراطور فريدريش الثالث استعمل كل حججه، وأعمل كامل فصاحته لإقناعه بتحرير وطنه. غير أن هذه المجهودات منيت بدورها بالفشل الذريع؛ إذ كانت أوروبا آنذاك تواجه مشاكل داخلية عديدة، فما كانت تمتلك هي القدرة على الاهتمام بقضايا بدت لها بعيدة(46).

 

توفي بيساريون بمدينة رافن [الإيطالية] عام 1472، وقد خابت آماله، وذلك بعد أن عاد من مهمة لدى ملك فرنسا وملك إنجلترا ودوقات بورغوني كلفه بها البابا سيكسته الرابع (1471-1484)(47). وقد حرَم موته العالم اليوناني من منافح عن حقوقه بارز وصادق ومتحمس. وكان قبل أربع سنوات من وفاته قد تبرع بمكتبته الغنية -التي كانت تحفل بمئات المخطوطات- إلى البندقية التي كانت تبدو إلى اليونانيين المحرومين من وطنهم وكأنها بيزنطة جديدة. ولهذا السبب كان بيساريون -بالرغم من عيشه بروما- يعشق البندقية عشقاً. هذا وقد شكلت مكتبته نواة المكتبة المارسيانية حيث لا زالت تزين صورة بيساريون مدخلها إلى اليوم(48).

 

ويُعد إيانوس لاسكاريس (1435-1535)(49) من أبرز تلاميذ بيساريوس، وأحد أشهر أهل القلم اليونانيين الذين أوقفوا حياتهم على نشر الآداب اليونانية بأوربا، وكذا الترويج للمسألة اليونانية، جاعلين من أنفسهم سفراء للحضارة والهوية الهلينية. وبفضل الخدمات التي أسدوها بالدول الأوروبية لصالح مواطنيهم الذين كانوا يكابدون محنة ويعانون من رزية حلت بالبلد، فقد أطلق عليه لقب "حامي حمى اليونانيين في كل مكان". والحال أن الرجل "عاش ودرس بفلورنسا إلى جانب لورنزو الميديشي، وبروما لدى البابا ليون العاشر (1513-1521)، وبفرنسا في حاشية الملكين لويس الثاني عشر وفرانسوا الأول. ولقد بذل الوسع بنشاطه الأدبي وخطواته الدبلوماسية لاطِّلاع عواهل البلاد الأوروبية الغربية على المسألة الإغريقية، ولإقناعهم بالتدخل في بلده المستعبد"(50). وإن "محبته لوطنه ترجمت عنها مجهوداته الموصولة للحصول على حرية الوطن. فما أهمل الرجل أي عاهل حتَّى يتصل به لتحقيق مبتغاه: الملك الفرنسي شارل الثامن، والملك الألماني ماكسمليان الأوَّل، والبابوين يوليوس الثاني (1503-1515) وليون العاشر، وأخيرا -وهو ابن الثمانين حولا- توجه إلى الملك شارل الخامس -الإمبراطور القوي صاحب الإمبراطورية الرومانية المقدسة- بعد تغلبه بموقعة بافي على ملك فرنسا فرانسوا الأول (24 فبراير من عام 1525)"(51).

 

ولقد قادته رغبته في إقناع عاهلي أوروبا بتحرير اليونان عام 1497 لما اخفق ملك فرنسا شارل الثامن (1483-1498) بالاستبداد بمملكة نابلي ومن ثم النفاذ إلى اليونان، قادته هذه الرغبة إلى اتباع الملك إلى فرنسا حيث صار مستشاره وخازن كتبه، واستمر على أداء الوظيفة عينها لدى خلفيه الملكين لويس الثاني عشر (1498-1515) وفرانسوا الأول (1515-1547) ولطالما قام بمهام دبلوماسية بتكليف منهما(52).

 

لقد نَمَّى الرجل -وهو سفير بالبندقية (1503-1509) وبعدها بروما (1513-1518)- نشاطا مهما سار في اتجاهين: من جهة أولى: الحفاظ على تراث العصر القديم الثقافي، وذلك بتشجيع نشر الدراسات اليونانية بالغرب، ومن جهة أخرى: إثارة انتباه أوروبا إلى اليونان المستعبدة. وبغية تحقيق هذا الهدف أسهم الرجل إسهاما نشيطا في التيارات الفكرية سواء بالبندقية أو بروما. وقد وُفق في إقناع البابا الإنسي ليون العاشر -المعجب بالآداب الإغريقية- بأن يؤسس بروما معهدا يونانيا (1514) كان يستقبل كل التلامذة الإغريق من كل الآفاق، وظل يشتغل إلى حين وفاة البابا عام 1521(53).

 

وكان من أهم المهام التي قام بها الرجل المهمة التي قام بها لدى عاهل ألمانيا شارل الخامس (1519-1556) يوم 25 فبراير من عام 1525 كما ألمعنا إلى ذلك فيما تقدم. فبعد هزيمة الفرنسيين بفافي والقبض على الملك فرانسوا الأول، أرسل البابا كليمنس السابع (1523-1534) لاسكاريس الشهير هذا إلى شارل الخامس لكي يحصل منه على إطلاق سراح الملك ولكي يهيئ حملة مشتركة ضد العثمانيين. وعند نهاية اللقاء، فإن لاسكاريس وإن حصل على إطلاق سراح الملك فرانسوا الأول، خاب أمله في تحرير مسيحيي الشرق من السيطرة الإسلامية(54). وقد كان الرجل عالما بالهلينيات وباللاتينيات قليل الشهرة؛ لكنه كان مدافعا بارزا عن قضية مواطنيه. وقد توفي عام 1535 وكتب على قبره الشاهد التالي كما حرره هو نفسه معبرا عن خيبة أمله من فشل كفاحه لصالح تحرير وطنه:

 

لقد وري لازاريس التراب في قطعة من الأرض غريبة, لكنها ما كانت مع ذلك -أيهذا العابر- غريبة بأغرب غربة تكون؛ فلقد ذاق من عذوبتها، غير أنه ما كف يهتجس لحال الآخيين لكن وطنهم ليس يمكن أن يغطيهم بتربة حرة(55).

 

هذا فضلا عن تلميذ آخر لباساريوس واصل عمل أستاذه, وجهد بدوره لإقناع الإمبراطور الألماني فريدريش الثاني بشن حملة ضد العثمانيين, هو ميكائيل أو ميخلوس أبوتوليس البيزنطي كما كان يوقع اسمه (حوالي 1422-1480)(56). كان ميخلوس أبوستوليس ينحدر من القسطنطينية، وقد لجأ إلى إيطاليا بعد فتح المدينة. وقد انعقدت صحبة بينه وبين بيساريون، وصار عضوا في مجمع أهل القلم الذي كان أسسه هذا في مقر إقامته بروما. ولما زار الإمبراطور الألماني فريدريش الثالث (1452-1493) روما (1468-1469)، بغاية زيارة البابا بولس الثاني، حضه أبوستوليس -باستشارة من أحد مستشاري الإمبراطور من الإغريق، ويدعى يوحنا ستافراسيوس ـ على كتابه خطاب باللسان اليوناني القديم يستحثه فيه على تنظيم حملة ضد العثمانيين وتحرير الأقاليم اليونانية. ولقد اقترح عليه -بالمقابل- الحفاظ على العرش البيزنطي وتاج آل باليولوغ لابنه الإمبراطور القادم ماكسمليان الأول. هذا ولقد أقام ميخلوس أبستولس فيما بعد في جزيرة كريت التي كانت تخضع آنها لسيطرة إمارة البندقية، وأنشأ بمدينة غورتينا ورشة لنسخ الكتب حيث كان يشتغل عديد من أهل القلم المعروفين والنساخين. وقد عاش عيشة تواضع موقعا على مخطوطاته بالتوقيع التالي: "ميخايلوس أبوتوليس البيزنطي، بعد غزو وطنه كتب وعاش في الفقر". ولقد تأدى به موقفه لصالح توحيد الكنيستين بسجنه بجزيرة كريت من طرف خصومه(57).

 

ثمة شخصية أخرى ساعدت على نشر الآداب اليونانية بالغرب, وأسهمت في خلق مناخ لصالح القضية اليونانية بأوربا، كانت هي شخصية ماركوس موسوروس، أحد ألمع تلامذة لاسكاريوس(58). ولد الرجل بجزيرة كريت عام 1470، وأقام مبكرا بالبندقية حيث أسهم مع المفكر الإنسي الإيطالي الكبير وناشر النصوص اللاتينية والإغريقية ألدوس مانتيوس(59). وإذ تأثر الرجل بديمتريوس خالكونكديلس وبالفيلسوف الإيطالي ذي المنزع الأفلاطوني الفطري مارشلو فيشينو، فإنه درس اليونانية بمدينة بادوفا الإيطالية ثم بالبندقية حيث تابع مفكرون إنسيون شهيرون دروسه، ليس أقلهم شهرة إرازموس(60). وفي عام 1513 نشر موسوروس -وللمرة الأولى وفي مطبعة مانتيوس- أعمال أفلاطون الكاملة. وهو الحدث الهام في تاريخ الآداب الإنسية والفلسفة الأفلاطونية بالغرب. وفي عام 1515 قام بتصنيف وتبويب وترتيب الثمانمائة مخطوطة التي وهبها بيساريون إلى البندقية، والتي شكلت أساس المكتبة المارسيانية التي أقيمت بساحة القديس مارقوس. والحال أن موسوروس كان يكره الأتراك المسلمين بأشد كراهية تكون ويعتبرهم كفارا، وإن خطبه ضدهم خاصةً خطبٌ شديدة التحامل عليهم. وقد مات الرجل بروما عام 1517، بعد انقضاء عام واحد على دعوة البابا ليون العاشر له لزيارة روما بغاية تنصيبه أسقفا على المدينة الكريتية مونمفاسيا.

 

كان الرجل يولي عناية خاصة بوطنه المستعبد, وأثناء نشره لأعمال أفلاطون الكاملة، وضع في ترويسة النشرة أنشودة مستملاة من أفلاطون كتبها عام 1513 باللسان الإغريقي القديم، حيث قام بمديح المجد التليد الإغريقي وروح القدامة اليونانية. وفي هذه الأنشودة، يفترض أن أفلاطون قام بحث صديقه الأديب المتأدب البابا ليون العاشر على بذل كل الوسع المتاح لكي يصالح المسيحيين المتصارعين بأوربا، على أن يوجهوا عداءهم وجيوشهم إلى نحر العثمانيين والإسلام، الذين يستعبدون بلاد الإغريق، ويهددون بالعبور بسفنهم إلى إيطاليا؛ ليفرضوا عليها قيد العبودية ويمحوا اسم العذراء مريم محوا. وإذ حض البابا على تجنيد حملة ضد العثمانيين، فإنه يفسر الدواعي الموجبة لمثل هذه الحملة ويطمئنه على نتائجها المضمونة الأكيدة: "(...) وذلك لأنه لئن تلألأ وهج الحرية الوديع أولا في مدينة الإمبراطورية البيزنطية، فإنك تقتدر آنها على سحق رأس التنين المهيب ذاك، ويمكنك حينها أن تدمر أجزاءه الأخرى بكل يسر. ولأن الشعب اليوناني الذي يرزح اليوم تحت قيد العبودية سوف يسترد الثقة والشجاعة بنفسه، ولكي يعيش أياما حرة من جديد، فإنه سوف يستعيد ذكرى فضيلته القديمة وسيصيب العدو في مقتل"(61).

 

ولقد شهدت أنشودة موسوروس -بفضل عنفوان وجدانها المستتر وعمق الأفكار التي ترجمت عنها- على نجاح منقطع النظير في عالم الآداب الإغريقية بالغرب. وفي عام 1513، وقد هزت الأنشودة البابا الذي كان مغرى بالآداب الهلينية ليون العاشر، فكان أن كتب إلى ملوك بولونيا وإنجلترا وإلى إمبراطور ألمانيا مكسيمليان يدعوهم إلى شن حرب على الكفار، لكن صيحته بقيت صيحة في واد(62).

 

ومن بين أبرز أهل القلم الذين وجدوا في إيطاليا موئلا لهم على عهد النهضة المواطن الأثيني دييمتريوس خالكوكوديلس (1423-1511)(63) الفيلسوف الأفلاطوني المحدث وقريب المؤرخ البيزنطي لاونيكوس خالكوكوديلس. وقد وصل إلى روما عام 1449، وطفق في التدريس بجامعة بادوفا، فجامعة البندقية لمدة ستة عشر عاما، وفيها نشر ملحمتي هوميروس (دجنبر 1488) اللتين بفضلهما نال الشهرة. ثم إنه قام بعد ذلك بتعليم أعيان روما الأثرياء لمدة عشرين عاما حيث نشر عملين باللسان اليوناني (1493 و1499).

 

وأشهر أهل القلم المعروفين -الذين هاجروا مدينة تيسالونيكا اليونانية للجوء إلى إيطاليا- كانا هما ثيودوروس غازيس (توفي عام 1472) وأحد أقاربه أندرونيكوس كاليستوس (توفي عام 1486).

 

وقد هجر الأول مدينته قبل سقوطها عام 1430 فتوجه أولا إلى مدينة القسطنطينية، قبل أن يعبر إلى إيطاليا قبيل عام 1440، حيث عين عميدا أول لجامعة فيرارا التي نظم سير أعمالها(64)، مسهما بذلك في نشر الآداب الإغريقية. ولقد بدا أن مصنفه "النحو في أربعة أجزاء" إسهاما مهما في الآداب الإغريقية. وقد أشار إليه فيما بعد نيوفيتوس كوسوكاليبيتيس (1720-1784) أحد أقطاب "معركة صلوات الموتى"(65) التي نشبت بجبل أتوس عام 1554، وامتدت إلى تيسالونيكا، حيث هزت الحياة الروحية لمسيحيي المدينة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر(66). هذا ولقد درس تيودوروس غازيس في مختلف مدن إيطاليا حيث كون العديد من التلامذة البارزين، فصار بذلك أحد أوائل سفراء قضية اليونانيين والمسألة الإغريقية عامة بالغرب(67).

 

أما قريب أندرونيكوس -كاليسيت- فالظاهر أنه ولد بتيسالونيكا عام 1400 وتوفي بلندن عام 1484، وقد عاش ودرس بالقسطنطينية، وبعد فتح المدينة لجأ إلى إيطاليا حيث انعقدت بينه وبين بيساريون مودة. وقد درس بنجاح اللسان والأدب الإغريقيين، كما درس الفلسفة الأرسطية في مختلف جامعات إيطاليا: ببلونيا (1464) وبروما (1469) وبفلورنسا وبباريس وأخيرا بلندن (1476). وقد شهد حضوره بباريس على منعطف فارق في تعليم ونشر الآداب الإغريقية بفرنسا. وباعتباره فيلسوفا أرسطيا ومالكا لإحدى أهم مجموعة من المخطوطات الإغريقية، نقل الرجل فكر أرسطو إلى العديد من تلامذته الذين سرعان ما نبغوا في أوروبا وتميزوا بحكمتهم وبحبهم للآداب الإغريقية وللروح اليونانية.

 

وقد نعته البروفيسور والمؤرخ فوكالوبوليس بنعت "الوطني المتحمس النزيه"، وعده أحد "قلة من أهل القلم بالمهجر الذين جهدوا عبر خطاباتهم وأعمالهم على إثارة انتباه أقوياء عصرهم إلى مصير اليونانيين المستعبدين، حاثّاً إياهم إلى التعاطف معهم"(68).

 

ويمكن الإشارة إلى العديد من الكتب اللاهوتية والفيلولوجية التي سلك فيها كاليست مسلك المنطق الأرسطي (شأن "في الكون والفساد"، "في الانفعالات"، "في الفضائل والرذائل"، "في الشعر"، "في النفس"، "في البخت"، وغيرها من التآليف كثير، فضلا عن كتاب "حاشية على هوميروس")؛ بيد أن كتابه "أرنومة منفردة عن سقوط القسطنطينية" يكتسي أهمية خاصة بالنسبة إلى دراستنا هذه. وفيه يرثي رثاء وبلغة غنائية المآسي التي حلت بالعاصمة التليدة المجيدة للإمبراطورية البيزنطية وباليونانيين، ويجهد في إثارة تعاطف أهل القلم وأقوياء الغرب مع المسيحية الشرقية ومع اليونانيين المستعبدين. وبعد أن يرثي هو لمآسي ومصائب الهلينية، يتوجه بالخطاب إلى روما وإلى البابا وإلى مدينة البندقية: "أي روما الإلهية، ما الذي تراه أنت فاعلة لصالح ابنتك التي أمست ترزح تحت نير العبودية؟ وأنت أيها الأب الطيب كيف يمكن لك أن تتحمل وجود مثل هذه الآلام؟ وأنتِ يا بندقية، أيتها المدينة المقدسة الجليلة، ما الذي تصيرين إليه وقد دمرت أختك وصاحبتك؟ ترى أين ستحط مراكبكم وأين سترسو سفنكم الحربية التي كانت تجوب البحر الأسود؟"(69)

 

وبعد معاهدة السلام الموقعة بين فرنسا وسليمان القانوني (1535-1536)، صار دور أهل القلم السياسي محدودا على نحو ملحوظ، ومع هذا واصل بعض حملة القلم طلب يد العون من عاهلي أوروبا المسيحيين لصالح المسألة اليونانية والمسيحية الشرقية، وذلك من غير ما أن يكون لهم المجد ذاته وقوة أهل القلم العظام في القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر نفسها. واليوم، فإن نصوص هؤلاء الموجهة إلى عاهلي أوروبا -باللسانين اللاتيني والإغريقي- أضحت تحظى بقيمة أدبية أكثر فأكثر. والحال أن الأمر يتعلق بأعمال أدبية شديدة الأهمية، وفي الوقت نفسه صارت تعد أعمالا ثمينة بحسبانها مصادر تاريخية. وهي تنبؤنا عن وضع المسيحيين والإغريق في المناطق التي كان يفتحها الأتراك، وتقدم إلينا معطيات عن القوى العسكرية والديمغرافية، وتحيل على أشخاص وعلى عناصر غائبة في المظان التاريخية المتداولة، وتعرض لتصورات العصر السياسية والدينية.

 

II

 

3- الكتابات القيامية والإسلام

 

1- مرويات وأخبار عن المغيبات ونبوءات:

 

وجد اليونانيون العزاء والسلوى لا في الشكاوى والأغاني الشعبية التي كانت تعبر عن موقف معاد للإسلام فحسب -أكان ذلك على نحو مباشر أم غير مباشر- وإنما في سلسلة مرويات ومغيبات ونبوءات أيضا، اختلقت اختلاقا على عهد الإمبراطورية العثمانية، تروي السقوط القريب للإسلام، ونهاية الإمبراطورية العثمانية، وبالتالي نهضة الإمبراطورية البيزنطية وانتصارها النهائي. وقد كان الملاذ إلى العرافين ذا دلالة مميزة بهذا الشأن؛ إذ يشي عن أن سقوط القسطنطينية -وهي رمز الإمبراطورية المادي- ليس ينبغي له أن يثير في وعي الناس الإحساس بالنهاية؛ ذلك أن أدبيات مشابهة لهذه، تستقصي تاريخ الإمبراطورية البيزنطية, وتعلن دمارها الوشيك وكذا انبعاثها، كانت قد وضعت منذ سنوات. وإن هذه الكتابات -وهي سليلة نبوءة وردت في العهد القديم وكتاب القيامة من إنجيل يوحنا- تكاثرت على نحو مثير على عهد نهاية الإمبراطورية, وانتشرت انتشار النار في الهشيم على عهد الإمبراطورية العثمانية. كما أضيفت إليها تأويلات مستحدثة ونبوءات جديدة تذهب إلى أن ما من شيء في تاريخ هذه الدنيا إلا وله قمة أوج وحضيض أفول. وتأسيسا عليه، فإن القسطنطينية -التي بلغت ذروة مجدها- ها قد آن أوان أفولها. وبالتالي، فإنها -وهي تحيا في الحاضر حياة أفول- عليها أن تنتظر أوان انبعاثها. وهكذا، فإنه منذ عهد مبكر منذ بداية السيطرة العثمانية ظهرت مغيبات ونبوءات تنبئ عما سوف يحدث وتعلن عن نهاية "عهد سيادة إسماعيل"(70). وبدءا من ذاك الزمن، شرعت مجموعة من التقاويم في الظهور، واعدة بمجيء عهد سيادة المسيح في العالم مجيئا منظورا قريبا. وإن البدوّ الثاني للمسيح لتسبقه -على نحو ما ادعوه- أحداث مقلقة شأن الزلازل وأوبئة الطاعون والمجاعات في العالم بأسره، وبعده سوف ينتصر عهد سيادة المسيح وحكمه: "وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ."(إنجيل يوحنا: 10، 16)(71).

 

وإن العناصر الأشد دلالة على هذه الأدبيات هي المرويات، التي رأت النور آنها أيام بلوغ الإمبراطورية البيزنطية أوجها، وقد كانت تستلهم من نصوص مختلفة منشورة غفلة عن أسماء أصحابها، وكانت تتضمن تأويلات مستحدثة بشأن تمثال الإمبراطور يوستنيان (527-565) الفارس البرونزي الذي كان يتصدر ساحة القسطنطينية وسوقها الكبيرة التي كانت تقع بين كنيسة القديسة صوفيا ومضمار الخيل(72). وقد بدا الإمبراطور ممتطيا صهوة جواده ويمسك في يده اليسرى مجسما لكوكب الأرض وقد علاه صليب، بينما ذراعه اليمنى المقبوضة تشير نحو الشرق. وقد أُول ما يرمز إليه هذا التمثال بتآويل متباينة عبر الحقب، وذلك على ضوء الأحداث التاريخية المستجدة. وما كان يرمز إليه التمثال بالنسبة إلى الإمبراطورية على عهد أوجها إنما يكشف عنه المؤرخ الكبير الذي عاش على عهد الحقبة اليوستينية بروكوبيوس (توفي عام 555): إذ ترمز الكرة إلى كوكب الأرض، والصليب إلى الديانة المسيحية التي من خلالها يسود الإمبراطور على العالم بأسره، والذراع اليمنى الممتدة نحو الشرق إلى كبح تقدم البرابرة القادمين من الأقاليم الشرقية(73). لكن، لما استولى العرب المسلمون على دولة الساسانيين فيما بعد، وصارت الفرس مسلمة، أولت ذراع الإمبراطور الممتدة كما لو أنها تشير إلى المسلمين الذين كان ينبغي وضع حد لتقدمهم(74).

 

وفي النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، وبينما كان العثمانيون قد أكملوا غزو آسيا الصغرى واقتحموا أوروبا اقتحاما (1354 سقوط مدينة كاليبوليس ومدن أخرى)(75)، انتهى الأمر بالكرة، أو بالتفاحة كما صارت تدعى -بفعل ما أحدثته عوادي الزمن على التمثال مع طول العهد(76)- إلى أن سقطت من يد الإمبراطور، فما كان إلا أن تم تأويل ذلك على أنه أمارة أكيدة على أن اليونانيين فقدوا قوتهم السياسية التي انتقلت إلى يد الأتراك(77).

 

وبعد سقوط القسطنطينية وخلال كل حقبة السيطرة العثمانية، ولا سيما إبان القرنين الأولين من وجودها (القرنان الخامس عشر والسادس عشر الميلاديان)، ولدت مجموعة من المرويات والمغيبات والتقاليد كان مدارها على سقوط إمبراطورية المسيحية الشرقية في الوضع الحالي وانبعاثها في العهد الآتي. وإن نصوص الإخبار بالمغيبات -التي اهتم بها البحث الهليني الجديد(78)- لتعبر عن ردة فعل العالم المسيحي على السلطة الإسلامية وعلى ديانة العثمانيين التي كانوا يسوونها مع المسيح الدجال، مثلما كانوا يبنون آمال الشعب على تدخل رباني يأتي لنجدة المسيحيين. وإن الأخبار بالمغيبات التي كانت تروج تحت اسم الإمبراطور ليون السادس الحكيم(79) كانت تمارس تأثيرا أكيدا مثلما كانت تشكل مصدر أمل في المستقبل وفي فكرة انبعاث الحضارة الهلينية من جديد. وإن نبوءات ليون الحكيم ونصوص قيامة ميتوديوس البطريسي المنتحل(80) ومبشرات دانيال(81) -التي كانت تروج عبر القرون قبل سقوط الإمبراطورية البيزنطية, والتي حملت باعتقادات شعبية عديدة ذات طابع قيامي وأخروي، بما كان يزيد من قلق الشعب فيما يتعلق بنهاية العالم والإمبراطورية- صارت منذ حينها مظان الأدبيات النبوئية الجديدة، معيدة بذلك الآمال إلى الشعب من جديد، وذلك بما أنها كانت تتنبأ بسقوط الإسلام وبالانتصار النهائي للمسيحية. ولقد كانت هذه الكتابات تحصي وتصنف أهم عهود ممالك العالم، وتنبئ بالأحداث التي تتقدم مجيء المسيح الدجال، وتساوي بين الإسلام وذاك الحدث أو ما يمهد له. كما أنها كانت تؤكد على أن الإيمان المسيحي والمملكة المسيحية ما غابا إلى أبد الآبدين قطعا، وإنما كان ذلك إلى أجل ثم سرعان ما سوف يعودان. ولقد شهدت التصورات الدائرة على تاريخ نهاية العالم على تأويلات مستحدثة مستجدة. إذ لن تحدث نهاية العالم قبل أن تنبعث الإمبراطورية المسيحية، لا ولا قبل انتصار المسيحيين.

 

ومن بين المرويات الأشد دلالة بهذا الشأن والمستقاة من هذه الأدبيات القيامية نذكر تلك المروية الدائرة على إعادة استرداد القسطنطينية ودحر الأتراك إلى حدود بلاد فارس؛ وبالذات إلى المنطقة المدعوة "شجرة التفاح الحمراء"(82)، والتي على رأسها رجل فقير إلا أنه حكيم، يهبه ملاك الله الذي يتنزل من السماء سيفا لا يقهر. والحال أن هذه المروية التي كانت رائجة قبل سقوط القسطنطينية والتي كانت تتنبأ بتدميرها(83)، إنما راجت أكثر بعد استيلاء العثمانيين على المدينة، كما تم المزج بينها وبين مروية أخرى تدعى مروية ملك الرخام(84). هذا ولقد انتشرت هذه المروية في كل بقاع العالم الإغريقي انتشارا، وسادت خلال مجمل حقبة قرون السيطرة العثمانية، إلى حدود مأساة ساكنة آسيا الصغرى التي حدثت عام 1922. وبحسب هذه المروية، فإن آخر أباطرة البيزنطيين -قسنطينوس باليولوغوس- ما مات في 29 من شهر مايو 1453 على حصون المدينة إذ كان يسعى إلى حمايتها، وإنما رفعه ملاك الرب من بين يدي العدو الذي كان قد حاصره، وستره تحت الأرض سترا في مغارة قريبة من الباب الذهبي حيث تحجر تحجرا إلى أن يبعث الله بالملاك يوقظه. ولسوف يهبه الملاك حُسَامه، ولسوف يفتح المدينة بدءا من الباب الذهبي برفقة الجيوش المسيحية. ولسوف يحرر قسطنطينوس المدينة, ويطرد الأتراك إلى شجرة التفاح الحمراء. وإن هذه المروية التقليدية لتعين محل غيبة الإمبراطور في الباب الذهبي بالذات، في الجهة الغربية من القسطنطينية؛ وذلك لأنه من هذا الباب بالذات كان يدخل الأباطرة إلى المدينة منتشين بانتصاراتهم، وذلك لمّا يؤوبون هم من غزواتهم المكللة بالظفر. هذا ولقد بقيت هذه المروية حية في الأذهان لدرجة أن العثمانيين غلّقوا الباب الذهبية تغليقا، ولذلك سميت "الباب المغلقة" ولا زالت تسمى كذلك إلى اليوم.

 

وإن الآيات التالية لتشهد على التأثير القوي الذي أحدثته المروية في نفوس الشعب, والحال أن هذه الأبيات الشعرية نفسها هي التي توجه بها -سنوات مديدة بعد ذلك- صاحب "شكوى القسطنطينية" إلى الإمبراطور ملتمسا منه بإلحاح:

 

أيها الملك قسطنطينوس، الذي تسميت دراغازيس

 

خبرني أين توجد؟ أَوَ أنت مختف أم تائه؟...

 

إلى أن يقول:

 

أيها الملك قسطنطينوس، خبرني ما الذي صرت إليه؟

 

فقد أشاعوا أنك هلكت على سيفك

 

غير أن آخرين خبروني أنك استخفيت

 

باليد اليمنى للرب ذي البأس الشديد.

 

لكن الأهم أن تكون لا تزال حيا ولست ميتا(85).

 

والحال أن هذه الأخبار بالمغيبات لتستقي مادتها من نصوص العهد القديم، وبالتحديد من "كتب السير"(86) شأن كتاب سفر الجامعة وسفر دانيال؛ إذ نقرأ في سفر الجامعة المقطع التالي (9، 13-15): "ورأيتُ مثَلاً آخرَ على الحِكمةِ تَحتَ الشَّمسِ وكانَ عظيمًا في نَظري: مدينةٌ صغيرةٌ فيها رِجالٌ قليلونَ، هاجمَها مَلِكٌ عظيمٌ وحاصَرَها وبنى عليهَا حُصونًا مَنيعَةً. وكانَ فيها رَجلٌ مِسكينٌ حكيمٌ فأنقَذَها بِحِكمتِهِ. وفيما بَعدُ لم يَذكُرْ أحدٌ ذلِكَ الرَّجلَ المِسكينَ."

 

والذي بيدو أنه تم تعديل هذه النبوءة منذ السنوات الأولى من عمر الإمبراطورية البيزنطية، وأنها ذاعت ذيوعا بدءا من القرن العاشر الميلادي، وهي اللحظة التي اقتربت فيها من "المبشرات" الواردة في كتاب دانيال، وقد شاعت شيوعا بعد سقوط القسطنطينية بحيث اتخذ ذاك الشخص الذي تروي عنه الرواية ـ "المحتاج فعلا لكن الحاكم الحكيم حقيقة" ـ ملامح آخر الأباطرة قسطنطينوس الباليولوغي. وهكذا، فإن مروية "الحاكم المحتاج" القديمة صمدت لتحيا في صيغة "مبشرات" دانيال الدائرة على "آخر الزمان ونهاية القرن"، وهي الصيغة التي ذكر فيها أن الإسماعيليين (وهم الأتراك هنا) سوف يسيطرون بدءا على بلاد "الرومان"، لكن في النهاية، فإن "ملك الرومان" -الذي حسب ميتا- سوف يقوم من غفوته ويطردهم من المدينة:

 

وسوف يتحكم في المدينة ذات الهضبات السبع (=القسطنطينية) من جديد

 

ذلك أن ذاك الذي مات منذ أمد وصار للناس نسيا منسيا

 

كثير منهم من يعرفه، على الرغم من أن لا أحد يراه.

 

وبما أنه سوف يظهر فجأة، كما لو استيقظ هو من رقدته

 

فإنه سوف يحكم طيف هذه المدينة ذات السيادة

 

والحال أن ثمة مروية أخرى منتشرة انتشارا واسعا تدعي أنه في لحظة سقوط القسطنطينية ودخول القوى التركية إلى المدينة، سرعان ما توقفت الصلاة التي كانت تقام في كنيسة القديسة صوفيا، وأن القس -وقد حمل أعراض الخبر والخمر- دخل فجأة في جدار واختفى، وأنه لا زال هناك مخفيا مغيبا ينتظر أن يخرج من جديد بما حمل لما يستعيد المسيحيون المدينة من جديد، حتَّى يتم هو إقامة قداسه الذي كان قد توقف لما حدث ما حدث(87).

 

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أنه بعد ذلك نقلت العديد من عناصر هذه المرويات عن طريق التقاليد الشعبية التركية، وأنها شهدت على تأويلات مناسبة. وهكذا، فإن الأتراك تبنوا بدورهم مروية شجرة التفاح الحمراء أيام مجدهم، مستشفِّين منها سيطرتهم السياسية على الكفار(88)، ورغبتهم في نشر الدين الإسلامي بين العديد من أفراد الشعب(89). وبعد ذلك بمدة -لما بدأت الإمبراطورية العثمانية بالأفول- ارتبطت رمزية التفاحة الحمراء -مثلما حدث ذلك مع اليونانيين المستعبدين- بالمكان المدعو "شجرة التفاح الحمراء"، قرابة مدينة مونديندري البيزنطية، وقد شهدت هذه الحقبة على ازدياد المرويات النبوئية الإسلامية التي كانت تدور على احتلال مؤقت من طرف الأتراك للأراضي المسيحية. وإن التدمير المهول للسفن الحربية العثمانية من طرف القوى الأوروبية بليبانتيا عام 1570 كان ذا أثر كبير على معنويات الشعب المسلم، شعب الإمبراطورية العثمانية. كانت الألفية الأولى للهجرة تقترب من الاكتمال وأمست العديد من النبوءات عن الشرور القادمة قد بدأت في الانتشار. وبينما كانت بعض المرويات تتحدث عن الألف عام من حكم النبي محمَّد، فإن عددا عديدا منها كان يذهب إلى أن المسلمين مقبلين على نهاية عهد حكمهم الوشيكة، وهي النهاية التي كان المسيحيون هم من سيتكفل بإنجازها. حتَّى أن بعض هذه المرويات كانت تتنبأ بالفعل بأن هذا الحدث سوف يطرأ سنينا قليلة بعد، بينما مرويات أخرى كانت ترجئه إلى عهد لاحق(90). والحال أن مثل هذه الأفكار كانت تروج لا سيما في الدوائر الإسلامية الإسماعيلية وفي أوساط الدراويش.

 

وإن مختلف المرويات والنبوءات انتشرت لا في كل إقليم من أقاليم العالم الهليني فحسب، وإنما فيما وراءه لدى العديد من شعوب أوروبا المسيحية ولا سيما في روسيا. هكذا ولدت أسطورة "الأُمة الشقراء" التي سوف تحرر مسيحيي الشرق. وفي الأصل كانت "الأمة الشقراء" تشير إلى قوم الفرانك وإلى اللاتينيين عموما. بيد أنه منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي صير إلى التسوية بين "الأمة الشقراء" والروسيين تسوية تامة، والسبب في ذلك يعود إلى القيصر إيفان الثالث العظيم (1440-1505) الذي تزوج عام 1472 من صوفيا زوي الباليولوغية، بنت أخ قسطنطينوس الباليولوغي، فكان أن استفرد بتملك العقاب ذي الوجهين البيزنطي، وهو الفعل الذي رمز إلى أن روسيا صارت هي وريث وخلف الإمبراطورية البيزنطية، ومنذ العام 1492 بادر رئيس أساقفة موسكو زوسيموس إلى تسمية إيفان الثالث "القيصر قسطنطينوس الجديد قيصر القسطنطينيةـ موسكو". والحال أن اليونانيين وهم تحت نير الاستعباد ما كان بمكنتهم -بطبيعة الحال- أن يتصوروا الانعكاسات السياسية والدينية التي ستكون لهذه النظريَّة -فيما بعد- وإنما وضعوا كل آمالهم في التحرر في هذه "الأمة الشقراء"، وذلك من غير أن يتخلوا عن الفكرة البدئية الأصلية؛ أي فكرة طلب المعونة من القوى الأوروبية الكبرى.

 

كانت هذه المرويات النبوئية تغذي آمال تحرر مسيحيي الشرق الذين كانت أنفسهم القلقة المعذبة تغذي مختلف الحركات الثورية التي كانت لها انعكاسات مأساوية على الشعب. وإن المثال الصارخ بهذا الشأن لهو مثال رئيس أساقفة مدينة لاريسا الأسقف ديونيسيوس الفيلسوف (فيلوسوفوس= محب الحكمة) أو (ديونيسيوس محب الكلب= سكايلوسسوفوس) كما سماه معارضوه فيما بعد. ذلك أن ديونيسيوس هذا -الذي كان قد ولد بإقليم إبيروس، وتابع دراساته في الآداب والفلسفة بإيطاليا- صار شخصا نشيطا محترما في أسقفيته، وما اكتفى فحسب بأداء مهامه الكنسية؛ وإنما تطلع أيضا إلى تحرير المسيحيين. وهكذا، فإنه في عام 1600 تزعم ثورة في مدينة تيساليا انتهت إلى إخفاق، وأدت إلى قمع للشعب قام به الأتراك بلا شفقة. على أن ديونيسيوس نفسه تمكن من الإفلات ومن اللجوء إلى إيطاليا التي سرعان ما عاد منها عام 1609 ليستقر بإبيروس من جديد، وفي عام 1611 ما لبث أن قاد انتفاضة ثانية انتهت نهاية مأساوية بالنسبة إليه وبالنسبة إلى ساكنة إبيروس أجمعين(91).

 

والحال أن انطفاء آمال اليونانيين على هذا النحو المأساوي أثار ردة فعل بعض أهل القلم الذين أدانوا تلك المرويات النبوئية. وهكذا، وجدنا رئيس الأساقفة ماتيوس الميري(92) ينشئ حوالي عام 1618 الأبيات الشعرية التالية التي أدان فيها مرويات العرافين وسذاجة الشعب سواء بسواء:

 

"لدي الأمل في الشعوب الشقراء أن تمد إلينا يد النجدة

 

هي التي سوف تقدم من موسكو لكي تحررنا

 

ولي الأمل في هذه الأخبار بالمغيبات وفي هذه النبوءات الكاذبة

 

وفي هذه الوعود الواهية التي -مع مر الأيام- سوف ترمي بنا إلى التهلكة".

 

وفي الحقبة ذاتها، كتب القس الواعظ ماكسيموس البيلوبونيزي -والذي سوف نفرد له دراسة ضافية فيما بعد- كتابه: "القول الفاضح ضد ديونيسوس الملقب "الكلبي الهوى"(سكايلوسوفوس (محب الكلب) في مقابل فيلوسوفوس (الفيلسوف=محب الحكمة))"(93)، انتقد فيه بشدة النبوءات والتمرد المتهور الذي قام به ديونيسوس سواء بسواء.

 

وإننا لسوف نلتقي بهذه النبوءات -فيما بعد- وقد لبست لبوسا تعددية في المقاربات وفي التأويلات الأخروية والقيامية، في صيغة أنشط وأنتج وأثمر، وذلك في الكتابات القيامية والأخروية التي سوف نعرض إليها الآن.

 

2- الأدبيات القيامية والأخروية:

 

تمثل موضوع الأدبيات القيامية والأخروية -التي تطورت على عهد الإمبراطورية العثمانية- في تعزيز إيمان ووعي الشعب المستعبد ضد الإسلام، ولقد كان لهذه الأدبيات مضمون تبجيلي وسجالي، ولهذا عارضت هي الإسلام معارضة صريحة، وسعت إلى الحفاظ على ما تراه أعز ما لدى الساكنة المستعبدة؛ أي ديانتها التي كانت مستودع ثقافة وهوية كل شعوب الشرق المسيحية(94). والحال أن أساس هذه الأدبيات إنما هو سفر قيامة القديس يوحنا، وهو السفر الأوحد ضمن الكتابات المقدسة التي كان يمكنه أن يؤثر -في ظروف الشقوة هذه- على خيال الشعب، وأن يستثيره الاستثارة. ولهذا الداعي فإنه هذا السفر وجد له العديد من المؤولين في حقبة الإمبراطورية العثمانية، وهم الذين ما كانوا مجرد شارحين له أو معلقين عليه بتعاليق شكلية، وإنما تعدوا ذلك إلى محاولة ربطه بالحياة وبمشاكل عصرهم.

 

وإن الموضوع الرئيس لهذه الأدبيات القيامية كان هو الوضع العصيب الذي أجبرت الكنيسة والعالم المسيحي الشرقي على العيش فيه، وهيمنة الشر على العالم الهيمنة العابرة، وسيادة المسيح الدجال والحروب والمجاعات والزلازل والبلايا العظمى، وأخيرا التدخل غير المنتظر للرب في تاريخ البشر من أجل إنقاذ البشرية، والإحساس بنهاية للعالم وشيكة. هذا بينما أعلن تصور آخر -أشد تفاؤلا- أن موعد اختفاء المسيح الدجال وقواه المعارضة وشيك، منتظرا إثر ذلك انبعاث الإمبراطورية المسيحية للشرق.

 

والحق أن نصوص هذه الأدبيات -وكما نلاحظ- إنما استأنفت استلهام التأويلات التيوقراطية الأساسية في الحقبة البيزنطية، تلك التأويلات التي كانت تذهب إلى أن الظروف العصيبة التي أجبر عالم الشرق المسيحي على العيش بوفقها ومكابدتها إنما سببها تفشي الرذيلة وعيش الناس بمبعد عن إرادة الله. ومن ثمة فإن إقامة الإمبراطورية المسيحية لا يمكن أن تتم إلا بإعلان التوبة عن الذنوب وأوبة الشعب إلى الرب. وإن الكفاح ضد مذاهب الإسلام -بغاية درء مخاطر الأسلمة وتسلية الشعب المستعبد ومنحه الشجاعة بنبوءات تشي بحريته الوشيكة- كان هو الهدف الأول لكل التقييدات على سفر القيامة والتأويلات له التي حررت تحت ظل الإمبراطورية العثمانية.

 

وإن أصحاب هذه الأدبيات لكانوا يعودون على وجه العموم إلى الأحداث الآنية مؤولين لها بحسبانها تحققا للنبوءات السابقة، أو يلجؤون إلى الأحداث الآتية التي تتنبأ على العموم بالانتصار على قوى الشر، وبعودة المسيح، وبعلو كلمة الرب، وبالسِّلم وبالعدل. وبمساعدة رموز عن القيامة وصور وأوصاف تعرض في مجملها طابعا موضعيا وأمثوليا ومجازيا أو قياميا، كافح هؤلاء ضد الإسلام وشجعوا المسيحيين. وإن المفسرين الذين كانوا يعمدون إلى مثل هذه الطرق ساووا بين الاصطلاحات الأخروية ورموز وشخوص قيامة القديس يوحنا -من جهة- وبين أحداث عصرهم وشخصياته، وقد حسبوا أن سفر القيامة إنما يتنبأ بهذه الأحداث، ويقدم صورة موجزة لكنها دقيقة عن وضع كنيسة الشرق وعن الحضارة الهلينية. وهكذا، فإن دابة القيامة استحالت هي والإسلام سواء، والمسيح الدجال أمسى هو النبي محمَّد نفسه، وذلك مثلما كانت قد تمت التسوية -من قبل قديما- بين هذين الرمزين -من جهة- واليهودية والإمبراطورية العثمانية من جهة أخرى.

 

والحال أن عددا من المصنفات الأخروية التي كانت على هذه الشاكلة إنما كتبت ما بين عام 1453 وعام 1821. وحتى إلى غاية الستينات من القرن العشرين، فإن البحث ما تعلق أبدا بهذه الأدبيات الأخروية، بل ظلت هذه الكتابات إما غير منشورة أو غير معروفة. وإن أول الباحثين اليونانيين الذين كرسوا جهودهم للبحث في هذه الأدبيات ودراستها كان هو الباحث أستوريوس أرجيريوس(95).

 

ومن بين العديد من الدراسات والمقالات والمنشورات النقدية التي كتبها هذا الرجل، يبرز كتابه الموسوم بوسم: "التفسيرات اليونانية للقيامة في العهد التركي (1453-1821)"، بوصفه عمله الأكبر والأوفى. ولقد كان منجزه المسمى أصلا "أرسومة في تاريخ التيارات الإيديولوجية [التي انتشرت] بين الشعب اليوناني المستعبد" أطروحة دافع عنها بجامعة العلوم الإنسانية بالسوربون في يونيو من عام 1977، وذلك بغاية نيل درجة دكتوراه الدولة. وقد نشرت عام 1982 من طرف جمعية الدراسات المقدونية بمدينة تيسالونيكا. وإن هذه الدراسة، -التي تعد بحق فريدة نوعها في البحث اليوناني المعاصر- لتقدم -تقديما نسقيا وتحليليا- أعمال المفسرين اليونانيين للقيامة وحياتهم عهد السيطرة العثمانية.

 

وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى أعمال الرجل الأخرى الدائرة على الأدبيات القيامية(96)؛ إذ في مدخل أطروحته الضخمة، وهو المدخل الذي لا يقل عدد صفحاته عن 126 صفحة (9-124)، يفحص المؤلف مختلف موضوعات الأدب القيامي اليوناني في عهد الهيمنة العثمانية محللا إياها، وميبناً أن تآويل القيامة تشكل مصدرا ثمينا لدراسة مكانة العالم الإغريقي واليوناني المستعبد في مجتمع العثمانيين الإسلامي، والتيارات الإيديولوجية التي تطورت في مراكز الحضارة الهلينية والكنيسة الشرقية(97). وكما لاحظ ذلك أرغريو نفسه، فإنه ميز بين ثلاث حقب في الحركات الأخروية والرسالية التي سادت في ذلك العصر، مقتفيا في ذلك أثر ديروش(98)، هذا الذي في المدخل المهم لمصنفه يحلل الطابع السوسيولوجي والرسالي للحركات التفسيرية الأخروية، في خطوطها العريضة، ويميز فيها بين ثلاث حقب أخروية: الزمن الأول هو زمن التفجع والقمع، وهو زمن يوافق الحقبة المتقدمة على سقوط القسطنطينية وأفول الإمبراطورية البيزنطية بوقت يسير. والحال أن زمن التفجع والقمع هذا لن يتوقف عن أن يستفحل أكثر فأكثر، وبذلك بسبب -من جهة أولى- من انتشار الإسلام في الأراضي البيزنطية، ولكن -من جهة أخرى- بداع من تدهور العلاقة بين الكنيستين الشرقية والغربية. والحال أن زمن التفجع والقمع سوف يعقبه زمن المقاومة. وهو زمن الشهداء والصمت والنبوءات الغامضة، زمن يبدأ مع سقوط الإمبراطورية البيزنطية وبداية الإمبراطورية العثمانية. وسينتهي مع انبعاث الإمبراطورية المسيحية الشرقية. وخلال هذه الحقبة، فإن الأعيان من رجال الدين واللاهوتيين الكبار سوف يستميتون في الدفاع عن طهارة وصفاء الإيمان المسيحي ضد الديانة الإسلامية الخداعة غير المعقولة. وإذا ما نحن أخذنا بعين النظر تشبثهم بالإيمان المسيحي الأرثذوكسي، فإن هؤلاء الرجال -كما جزء كبير من الشعب الوفي لإيمانه- سيتعرضون لشتى ألوان الاضطهاد(99). ثم إن زمن المقاومة سوف يعقبه زمن التحرر، وهو الزمن الذي سوف يعد زمن الانتصار على المسلمين وعلى المسيح الدجال. وإن انتظار حلول زمن التحرر ذاك قد بدا قويا في كل النصوص الرسالية التي دونت على عهد السيطرة العثمانية. وقد لاحظ أرجريو أن تفسيرات سِفْر القيامة إنما حررت على فترتين، كل واحدة منهما امتدت على مدى نصف قرن من الزمن: تبدأ الفترة الأولى مع شرح ماكسيموس البيلوبينوزي (1598-1600) على كتاب القيامة للقديس يوحنا، وتنتهي بشرح جورجيس كورسيوس (1645). هذا بينما تبدأ الفترة الثانية مع شرح بنتازس العريسي (1767) على سفر القيامة، لتنتهي مع شرح سريلس لافريوتس (1825). والحال أن ثمة فاصلا من قرابة مائة عام يفصل بين الفترتين، يقع في واسطته تحرير شرح غورديوس (1717)(100).

 

وتلا المدخل الطويل، أحد عشر فصلا يحلل فيها المؤلف كل شرح أو حاشية على سفر القيامة للقديس يوحنا كتبت على عهد السيطرة العثمانية تحليلا ضافيا ونسقيا. وإن طريقة العرض التي يسلكها في عرض هذه الحواشي الإحدى عشرة لطريقة فريدة من نوعها: في البدء يعمد أرجريو إلى فحص صاحب كل تحشية: شخصيته وعمله والسياق التاريخي الذي انساقت فيه كتابة كل تحشية ومخطوطها، يعقب ذلك تحليل ونقد مضمون كل حاشية، وينتهي العمل بالتحليل اللساني والتاريخي ـ الفيلولوجي للنص وبالدراسة المقارنة لكل شرح بالقياس إلى الكتابات التفسيرية الأخرى المعاصرة له.

 

والحال أننا قد عمدنا إلى تقديم التآويل الإغريقية لسفر القيامة الدائرة على الإسلام، وذلك من غير ما ننسى بعض الإلماعات إلى هذه النصوص في الببليوغرافيا اليونانية القدم، وذلك في أطروحتنا لنيل الدكتوراه(101).

 

خاتمة:

 

ازدهرت أدبيات مهمة، ذات مضمون متنوع، كان مدارها على الإسلام، وذلك في عهد الإمبراطورية العثمانية. وهي تعرض لمختلف طرائق التقارب والتعاون بين اليونانيين والأتراك، والسجال ضد الإمبراطورية العثمانية والإسلام، وأخيرا ثمة أدبيات من الصنف القيامي والأخروي كانت تتوجه إلى تسلية وتعزية الشعب، وذلك بالإعلان عن النهاية الوشيكة للإسلام. وإن هذه الأدبيات -التي بقيت مجهولة إلى حدود القرن العشرين- أمست موضوع دراسات أجراها البحث اليوناني المعاصر بدءا من عام 1960. والحال أنه يمكن تلخيص عناصر هذا البحث على النحو التالي:

 

إن الاستيلاء على القسطنطينية وسقوط الإمبراطورية المسيحية للشرق عام 1453 إنما عملا حقيقة على تغيير الخريطة السياسية والدينية لأوربا الجنوبية الشرقية ولآسيا الصغرى، وحملا معهما تغييرات عميقة ذات مدى سياسي وديني بالمنطقة. والحال أن كون الساكنة اليونانية والمسيحية بهذه المناطق لم تقطع آصرتها بالقيادة الروحية للكنيسة كان أمرا لعب مع ذلك دورا هاما. ذلك أنه بعد مدة من الاستيلاء على القسطنطينية، عمد محمَّد الفاتح إلى إعادة تنظيم بطريركية القسطنطينية الكنسية ووضع البطريرك على رأس مجموع الأمة الأورثذوكسية المسيحية (الملة)؛ أي كل المسيحيين الأرثدوكسيين الذين كانوا يقعون في طوق سيادته بأقاليم البلقان وآسيا الصغرى من الإمبراطورية. وهكذا، فإنه في كنف الإمبراطورية العثمانية -وبالرغم من وجود تمييز اجتماعي بين المسلمين وغير المسلمين- سمحت بعض أشكال التسامح بالتعايش بين شعوب الإمبراطورية من ذوي الأصول الإثنيات المتباينة والأصول الثقافية المختلفة. وبوفق هذا المعنى، فإن كل المسيحيين الأرثذوكسيين -من رعايا الإمبراطورية- كانوا يعدّون -بحسب الشرع الإسلامي والقرآن- يشكلون أهل ملة. وبحسب هذا المنظور وُضعوا تحت الإدارة الروحية للبطريركية الكنسية، وذلك في الوقت نفسه الذي كانوا يُعدّون فيه محميين بالشرع الإسلامي. وفي هذا الإطار المؤسّساتي أطلقت إلى اليونانيين بعض الامتيازات؛ شأن حرية التدين واللسان وبعض ضروب الاستقلال الذاتي فيما يتعلق بالجماعات اليونانية، وهي الامتيازات التي شكلت عوامل صون الهوية الهلينية. وهكذا، أمكن للعالم الإغريقي والمسيحي أن يحيا داخل كنف الإمبراطورية العثمانية، بل حتَّى أن يقيم حوارا معها؛ ذلك أن بطاركة شأن جيناديوس وسكولاريوس وأهل القلم الذين بقوا مقيمين في الإمبراطورية العثمانية ما تورطوا -على عكس الكتاب البيزنطيين السابقين- في سجال ضد الإسلام، وإنما بحثوا عن أنماط من التعاون والتعايش بين اليونانيين والأتراك. هذا بينما على الضد من ذلك عمل أهل القلم الذين وجدوا في أوروبا موئلا على المساعدة في تطوير ثقافة الآداب الإغريقية، وكانوا سفراء مسيحيي الغرب واليونانيين، ولطالما حثوا هم عاهلي أوروبا على شن حملة صليبية ضد الإمبراطورية العثمانية، وعلى تحرير العالم اليوناني والمسيحي من الإسلام، ولقد لعب أهل الأدب هؤلاء دورا هاما بالخصوص في الصراع بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين.

 

إن المشاعر المتنوعة التي كان يولدها التعايش بين العالم الإغريقي والعالم الإسلامي في كنف الإمبراطورية العثمانية قد وجدت نمط التعبير عنها -من بين أنماط أخرى- في الأغنية الشعبية بما هي خلق لوعي جمعي يعبر عن لحظات الفرح والترح في الحياة وتمني النفس بأمل الحرية. وإن نصوص هذا الأدب الشعبي -النظمي منها والنثري- قد شكل موضوع دراسات ما أن تأسست الدولة الإغريقية الجديدة بدءا من عام 1830. وإننا لواجدون اليوم ببليوغرافيا هامة جدا عن نصوص هذا الأدب، تدور دراستها لا على القيمة اللسانية والأدبية لهذه الكتابات، وإنما أيضا على جملة من المشاكل الإثنولوجية والاجتماعية التي تسمح بحصر أفضل للصلات والمشاعر المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين في عصر السيطرة العثمانية، والتي كانت موسومة بالتعايش بين الهوية الهلينية والإسلام.

 

وإن الأدبيات القيامية والأخروية التي تم تطويرها -في عهد السيطرة العثمانية- لتشكل وجها آخر شديد الأهمية من تاريخ التعايش بين الهوية الهلينية والإسلام. وقد كانت هذه الأدبيات تتكون في الأصل من جملة من المرويات والإخبارات بالغيب والنبوءات مدارها على انبعاث الإمبراطورية المسيحية اليونانية، ومن أدبيات أخروية وقيامية متحت من تأويلات لسفر قيامة يوحنا. وكانت هذه التأويلات -التي أثارت مسائل قيامية وأخروية أوسع، والتي شكلت قراءات شعبية مؤيدة لعصر السيطرة العثمانية- منتفضة ضد الإسلام، وتحاول صون مسيحية الشعب وإنعاش آماله في خلاص آت. ولم تكن بالبحث اليوناني -حتى عام 1960- إلا ومضات نادرة إلى هذه الأدبيات. على أن البروفيسور أستريوس أرجيريو كان أول من وضع الحجر الأساس لإجراء بحوث أساسية في هذا المضمار.

 

ولقد كانت الأهداف التي رسمتها هذه الأدبيات التأويلية والأخروية على النحو التالي: أ ـ تعزية الساكنة الأرثذوكسية المسيحية التي تعاورتها الآلام بسبب وقوعها تحت الفتح الإسلامي. ب ـ توفير الوسائل الضرورية على المستوى الأخلاقي والروحي واللاهوتي، وذلك بالسماح للكنيسة وللشعب بالبقاء وفيين للمذهب الأرثذوكسي والاستجابة للتحديات التي طرحها الدين الإسلامي (لهذا السبب كانت نصوص هذا الأدب في الوقت نفسه جدالات ضد الإسلام). ج ـ تفسير معنى خضوع العالم المسيحي الأرثذوكسي واليوناني لسلطة الإسلام، وذلك بإعمال جملة استدلالات إقناعية. د ـ تحديد العصر الذي تحيا فيه البشرية، وذلك وفقا للتصور التوراتي للتاريخ، سواء تعلق الأمر بقرن أخروي يفضي إلى نهاية العالم أو بقرن يسلم إلى انتصار المسيح وإلى "سيادته الألفية"، والتي ينبغي -تبعا لتصورات العصر- أن تتقدم نهاية العالم. ه- وأخيرا: وصف المسيح الدجال، وقد سوي بالإسلام تسوية وشخص [النبي] محمَّد، وذلك على ضوء الصور الأخروية لسفر القيامة، وتحديد متى بدأ حكم المسيح الدجال ومتى سينتهي.

 

ولفهم هذه العناصر بدءا من مفاهيم اللسان الرمزي المعقدة ومن الصور المريعة التي تضمنها سفر القيامة، عمدت التأويليات إلى إعمال طريقتين من طرائق التأويل: الأولى موضعية (موقعية أو طوبولوجية) أو مجازية (أمثولية)، وهي المسماة روحية، والثانية تاريخية أو أخروية. وكما لاحظنا ذلك من قبل، فإن أغلب التأويلات لجأت إلى التوليف بين الطريقتين، وذلك بغاية تأويل الواقع التاريخي لعصرها ووصف الماضي والآني والآتي، بوفق الأمر الرباني الموجه إلى يوحنا الإنجلي: "أرقم يا هذا إذن ما أنت رأيته، تلك الأمور الحالية، وتلك الأمور الآتية". هذا هو السبب الذي جعل أهل القلم في عهد السيطرة العثمانية يَبْدون وقد خصوا تأويل سفر القيامة بتأويل خاص، وذلك بدل تأويل الكتابات المقدسة برمتها. ولقد باشروا القيامة كما لو كانت هي جنسا أدبيا ينتمي إلى صنف الميثولوجيا والذي -على المستوى الشكلي- يتوجه متوسلا في ذلك صورا مؤثرة ورموزا وأمثولات إلى عموم مسيحيي كل عصر، ولكنه يجيب -على نحو أساسي- على مسيحيي عصرهم الذين كانوا يحيون في مجتمع "ردة" عن الرب، وكانوا يكابدون رزايا عهد "سيادة المسيح الدجال". وبوفق هذه الطريقة، كانوا يؤولون المقاطع الغامضة من كتاب القيامة، وكانوا يعيدون إبداع ألفية ما كانت الكنيسة -حيث كان يسيطر المعنى الرمزي لهذه النصوص- لتقبل تأويلا حرفيا لها. وهكذا كان هؤلاء الكُتاب يعدون التاريخ كما لو كان مسارا نحو مستقبل ليس يوجد فيه الحاضر إلا عبر أمل المستقبل.

 

والحال أن هذه التوليفة بين التاريخ واللاهوت وحاجة الإنسان إلى تأويل تاريخ ومصير الإنسانية عبر تنبؤات تنتمي إلى الماضي إنما نعثر عليها في مجمل التاريخ المسيحي، وقد غذتها أعداد كبيرة من الأساطير والمعتقدات. ما من فرد في عهد معين إلا ويبدي مسيس الحاجة إلى التطهر من مخاوفه بإعمال صور قيامية. وفي أزمنة الحروب -كما الشأن في سياق اجتماعي صعب- فإن الكائن البشري يؤول هذه الصور الأخروية بوسمها في الوقت ذاته نبوءات تخبر عن عقاب الكفار جزاء إنكارهم إرادة الرب، وإفادتهم الآتية من ألطافه. وفي أيامنا هذه، فإن الإنسان -الذي يبذل الوسع في التنبؤ بمستقبل الكوكب- يلمح انبثاق تهديدات جديدة محدقة بالبشرية، شأن التكنولوجيا غير المتحكم فيها والكارثة النووية وتلوث البيئة وأزمة القيم الأخلاقية وغيرها، وذلك كله عبر صور أخروية قيامية مروعة.

 

وإن ما قاله أمبرتو إيكو عن القيامة لذو دلالة خاصة بهذا الشأن: "يمكن النظر إلى القيامة بوسمها وعدا، ولكن أيضا بحسبانها إعلانا عن نهاية... وذلك حتَّى بالنسبة إلى أولئك الذين ما قرأوها قط. فما عاد الأمر يتعلق بالمزامير السبعة، وبالبرد، وبالبحر الذي يجري دما، وبالنجوم التي تتهاوى، وبالجراد الذي يخرج من أبخرة الهوة، وبجيوش يأجوج ومأجوج، وإنما صار يتعلق بتشتيت النفايات النووية، وقد صارت لا تقبل أن يتحكم فيها ولا أن تراقب، وبالأمطار الحمضية وبغابة الأمازون السائرة إلى الاختفاء، وبالثقب المحدث في طبقة الأوزون وبالحشود من المهاجرين المفقرين الذين يصعدون ثم يطرقون -بفظاظة أحيانا- أبواب الازدهار، وبالجوع الذي يعيث فسادا في قارات بأكملها، وبالأمراض الجديدة التي لا تقبل أن تشفى، وبتدمير الأرض باستغلالها الاستغلال الأبشع، وبالمناخ الذي تغير، وبجبال الجليد التي تذوب، وبعلم الأحياء الذي ينتج لنا مستنسخات...وبالأرض الأم وقد شوهت وخنقت. فاليوم نحيا (على الأقل في المجال الافتراضي الذي عودتنا عليه وسائل الاتصال الإلكترونية) على مخاوف النهاية...وهكذا، فإن ما من واحد منا إلا ويحيا على رؤيا القيامة ويعمل على طردها من ذهنه في الآن ذاته. وبقدر ما يعمل على طردها تراه يخشى منها خشية ليس يشعر بها، وهو يعمل على عرضها وإسقاطها على الشاشات وقد اتخذت صورة مشهد قاس مروع، عاملا بذلك على طردها من الواقع"(102).

 

الإسلام والبحث اليوناني المعاصر:

 

مع تحرير قسم من المجال الهليني، بعد حرب الاستقلال عام 1821، وإنشاء دويلة يونانية أولى، تعززت الجهود لتطوير التربية وحركة تنويرية يونانية؛ بيد أنه خلال العقدين الأولين من القرن العشرين، ومع تحرير الأراضي التي صارت تطابق اليوم اليونان الشمالية، ولكن في الوقت ذاته فقدت أهم وأقدم مراكز الحضارة الهلينية في آسيا الصغرى وتراسيا الشرقية، تمت التسوية بين الإسلام والسلطة العثمانية. والحال أن هذا التصور لا يسمح للباحثين اليونانيين بالاهتمام اهتماما جادا بديانة الإسلام وثقافته، حتَّى يكون بمكنتهم آنها أن يحصّلوا معرفة أعمق بجوهره. هذا ولقد توجه اهتمام المؤرخين اليونانيين -كما اهتمام الكتاب الكنسيين واللاهوتيين في تلك الحقبة التي دامت إلى حدود سنين الحرب العالمية الثانية- صوب البحث الدائر على الصلات بين المسيحيين والمسلمين في الحقبتين البيزنطية والعثمانية، مع تركيز أشد وأخص على اللحظات العصيبة التي عاشها اليونانيون والمسيحيون تحت الإمبراطورية العثمانية، مما كان له بالغ الأثر في إثناء كل بحث مبدع متعلق بالإسلام.

 

والحال أن ثمة فاصلا حاسما في البحث في الإسلام حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لما قادت الآلام التي تسببت فيها الحرب للبشرية إلى إعادة الاعتبار لقيمة الإنسان ولقيمة الشعوب. وإن التطورات الكبيرة التي حققها البحث الأوربي في الأديان العالمية، وكذا الانفتاحات العظمى التي ألهمتها الروح الجديدة لمجمع الفاتيكان الثاني نحو ديانات العالم، كانت لها أبلغ الآثار الإيجابية على الحقل الروحي اليوناني. ففي هذه الفترة بالذات يلاحظ أنه تحقق في كليتي اللاهوت التابعتين إلى جامعتي أثينا وتيسالونيكا تقدم مطرد في دراسة الإسلام. وإذا كانت أن بعض الدراسات المعزولة -التي تعالج بعض جوانب الإسلام- قد ظهرت من ذي قبل في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وخلال النصف الأول من القرن العشرين؛ فإنه يحق القول عنها: إنها كانت ذات طبيعة موسوعية أكثر مما كانت هي ذات طبيعة علمية. والحال أنه بدءا من العشرية 1960-1970 بدأ البحث في الإسلام بحثا منظما، وهو بحث جهد في دراسة الإسلام من كل جوانبه.

 

والحال أن هذا البحث عالج الإسلام عبر محاور أساسية ثلاثة: تركزت بعض الأعمال على الطابع الخارجي وعلى تاريخ الإسلام. ثم إن هناك ضربا من البحث التاريخي أعمق عالج الجانب الداخلي للإسلام وتطور الديانة والثقافة الإسلاميتين. وإن هذه المقاربة لتدور على أصل الإسلام وتاريخه، وعلى مبادئه، وعلى بناه الاجتماعية، كما تدور على علاقته بتاريخ العالم، القديم منه والحديث. هذا فضلا عن أنه توجد مقاربة سوسيولوجية، موقعها بين التاريخ العام وتاريخ الأديان، وبين الثقافة والمجتمع، تجري على التطورات الدينية في إطار أوسع، وعلى صلة ذلك بتاريخ الإسلام الاجتماعي والسياسي والعسكري.

 

وإذ عمد البحث اليوناني إلى العمل في هذه الصنوف الثلاثة من المقاربات، فإنه عالج مختلف أوجه الإسلام بدءا من عهد الجاهلية. فإذا به ينتقل إلى شخصية [النبي] محمَّد -صلَّى الله عليه وسلم- فاحصا سيرته وعمله، على ضوء المصادر الإسلامية والبحث المعاصر، مؤولا المعطيات التاريخية، مسلطا الضوء على ما يراه تأثيرا في الإسلام، لا سيما منها اليهودية والمسيحية، التي يرى أنها فعلت فعلها في الدعوة القرآنية، مسجلة الطابع الخاص للإسلام وقد تشكل على هذا النحو من التشكل. وثمة جانب آخر من جوانب البحث اليوناني يتعلق بالبحث في القرآن وفي مختلف نقوله إلى اللسان اليوناني، وبالبحث في السنة والحديث، وبالبحث في الشريعة والفقه، بحسبانها تشكل المصادر الأساسية للإسلام. هذا فضلا عن جانب آخر من البحث، وهو المتعلق بالمبادئ الأساسية للديانة الإسلامية؛ أي نزعة توحيدية صارمة، ومفهوم الوحي والنبوة، وكذا تعاليمه الدائرة على العالم والإنسان والغايات. على أن التصوف -الذي تطور بتأثير من الفكر المسيحي والأفلاطونية المحدثة والتأثير الهندي فيما بعد- يحظى باهتمام خاص. فضلا عن الفلسفة الإسلامية حيث يتم تتبع النقلة فيها من النصوص الإغريقية القديمة إلى الهلينستية في التراث الإسلامي، وذلك كله بفضل نشاط ترجمي كثيف شهده العالم الإسلامي ما بين القرنين الثامن والثالث عشر الميلاديين. والحال أن هذه النقلة من الفكر الإغريقي القديم إلى التقليد الإسلامي -التي شهدت تحشيات سخية، والتي أحدثها أهل القلم من المسلمين- إنما أسهمت في نشأة علوم الطبيعة والفلسفة الإسلاميين. وذلك مثلما أن هذا الفكر أثر كذلك في الغرب اللاتيني بدءا من القرن الثالث عشر الميلادي.

 

كانت تدور المعرفة بالإسلام التي تحصل عليها البحث اليوناني منذ السبعينيات من القرن العشرين بالخصوص على التاريخ وعلم الكلام والفلسفة والتصوف والمجتمع. وشيئا فشيئا وجه هذا البحث عنايته صوب الحوار وصوب إعادة إنشاء الصلات الودية والثقافية بعالم الإسلام. وإن التوجه الأوربي لليونان ليبين للباحثين الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا البلد بحسبانه قوة روحية قادرة على تجسير الهوة بين الشرق والغرب. والحال أن ثمة فرعا جديدا من البحث سائر اليوم إلى الميلاد في كنف المؤسّسات الجامعية اليونانية. وهو فرع يفحص -أساسا على ضوء منظور الدبلوماسية الأوروبية والأمريكية- الوضع الجيوسياسي والجيواستراتيجي للبلدن الإسلامية. وهكذا، فإنه بدءا من عام 1990 أنجزت أعمال عن سياسة الماء وعن سياسة البترول، وعن مسائل مشابهة أخرى مدارها على الشرق الأدنى والأوسط. وإن اندفاعة الساكنة المسلمة ضمن موجات اللاجئين الاقتصاديين والسياسيين، وكذا الطلبة واليد العاملة، نحو العالم الغربي، لتشكل مسألة أخرى تضاف إلى البحث الجيوسياسي.

 

وفيما يتعلَّق بالحوار بين الأديان، فإنه تتوفر في البحث اليوناني أعمال تركيبية تستدعي مقاربة خاصة، هذا بينما في ميدان البحث الجيوسياسي -الذي لم يتطور إلا منذ عشر سنين- فإنه من الخطير استنتاج نتائج دقيقة.

 

وبالجملة، إن إلقاء نظرة إجمالية على استنتاجاتنا من شأنه أن يسمح لنا بملاحظة أن البحث في الإسلام -الذي بدا بدايته المنظمة منذ خمسين سنة في إطار كليتي اللاهوت بجامعتي تيسالونيكا وأثينا- أثار أيضا اهتمام شُعبٍ أخرى جامعية يونانية بغاية خلق مواضيع جديدة للمعرفة بالإسلام وبالثقافة العربية بعامة، وهو ما يبين عن أن البحث اليوناني مستعد للمضي قدما بالمعارف وتحقيق التواصل بين العالم اليوناني والعالم الإسلامي.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)         طرحت مسألة تسمية الإمبراطورية من طرف المؤرخين الغربيين، بدءا من نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. وقد كان البيزنطيون أنفسهم يتسمون رومانيين حتى حدود نهاية الإمبراطورية، وذلك بالرغم من أنه منذ عام 1204 (استيلاء اللاتينيين على القسطنطينية)، كان أغلبهم يعون أنهم يونانيون. والحال أن وجهات نظر المؤرخين تتباين، بالرغم من ذلك، حول مسألة الحقبة التي حدث فيها مثل هذا التحول، والذي سمح بالحديث عن الإمبراطورية البيزنطية بالبدل من الحديث عن الإمبراطورية الرومانية الشرقية. لقد حدث تحول هام في إمبراطورية الشرق الرومانية على عهد قسطنطينوس العظيم (330 م)، حيث فرضت الثقافة واللسان اليونانيان بالموازاة مع المسيحية. ومع ذلك، فإنه في مجال الإدارة والتشريع، بقي يسود القانون الروماني، واللسان اللاتيني بقي هو اللسان الرسمي. والحال أن قسما صغيرا من التشريع بدأ يتم إضفاء طابع هليني عليه مع المراسيم الجديدة التي أصدرها يوستينيان (527-565)، غير أنه على عهد ليون السادس الحكيم (886-921) كانت اللاتينية لا تزال مهيمنة في الإدارة وفي التشريع. ولهذا السبب اعتبر ج. ب. بيري أن الإمبراطورية البيزنطية ما عرفت قط تاريخا صارت بدءا منه تدعى إمبراطورية بيزنطية: "ما وجدت قط بيزنطية بأساس لها خاص؛ إذ ما توقفت الإمبراطورية الرومانية على الوجود أبدا"؛ إذ يمكن -بحسب بيري- الحديث عن "ثقافة أو فن بيزطي"، ولكن ما أن نشير إلى دولة عاصمتها القسطنطينية حتى يكون من العادل الإشارة إلى "إمبراطورية رومانية". انظر: J. B. Bury, A History of the Later Romaine Empire, vol. I-II, Londres, Macmillan, 1923.

وعلى النقيض منه، فقد ذهب توينبي -في موقف منه متحيز- إلى أن الإمبراطورية الرومانية "قضت" في السنوات الأخيرة من القرن السادس الميلادي. هذا بينما رأى باحثون آخرون -من غير ما تبن لوجهة نظر توينبي- أن فتح العرب للأقاليم الشرقية (سوريا، فلسطين، مصر) تأدى إلى تحول الإمبراطورية من إمبراطورية رومانية إلى بيزنطية. وإذا ما نحن اعتبرنا أن مانويل الثاني الباليولوغي -حاكم تيسالونيكا خلال الحصار الأول للمدينة من طرف العثمانيين (1383-1387)- قد قوى شجاعة ومقاومة السكان بتذكيرهم "أننا رومانيون"، وفي الوقت نفسه "أن وطننا هو وطن فيليب والإسكندر" (انظر: لاورادا "إشارة مانويل الباليولوغي على أهل تيسالونيكا" (باللسان اليوناني)، طبعة ماكودونيكا،3 [1953-1955) ص295-302.) فإننا آنها نفهم أن اللفظ "رومانيين" الذي كان ينطبق حينئذ على كل شعوب الشرق كان قد اتخذ معنى جديدا: الرومان، أو بالأحرى الروميون أو الروم، وكانوا هم كل رعايا الإمبراطورية (كانت اللفظ "رومانيا" يطلق على كل ما كان إغريقيا ومرتبطا بالمسيحيين الأرثوذكسيين بالشرق). وإن شعب الرومان (الذي كان يسوى بالشعب اليوناني تسوية) استمر في أن يسمى على هذا النحو بعد سقوط القسطنطينية، وفي أن يرتبط بروم الشرق المسيحيين؛ أي الرومان أو الرميين. هذا ولقد كرس البحث المعاصر -محقا أو مبطلا- اصطلاح "الإمبراطورية البيزنطية". وهذا الاصطلاح عينه هو ما سوف نعمله في هذا العمل.

2)         جيانولاتوس: "الحوار بين المسيحيين ووجهة نظر الإسلام التقليدية" (باللسان اليوناني) [عرض في المجمع الكنسي 46 بفيينا في 16 أكتوبر 1986] نشر في العدد التكريمي لرئيس الأساقفة ماكسيموس الساردي تحت عنوان: "في ذكرى رئيس الأساقفة ماكسيموس الساردي (1914-1986)"، جونيف، أسقفية سويسرا، 1989، الجزء الأول، ص213-232. (باللسان الفرنسي). وقد أعيد نشره في كتاب: "الحوار بين المسيحية والإسلام بوصفه واجبا مشتركا" (باللسان اليوناني)، بالتعاون مع جمعية الدراسات الكنسية (تيسالونيكا) ومؤسسة شتيفتونغ بيو أوريانتي (فيينا)، نشرة باراتيريتيس، تيسالونيكا، 1988، 85 صفحة.

3)         كما هو معلوم كان التسامح العثماني مبنيا على الشريعة التي تعدّ "أهل الكتاب" -لا سيما اليهود والنصارى وفيما بعد الزرادشتيين- ذميين. ولكونهم محميين في أنفسهم وحريتهم الدينية وثرواتهم، كان عليهم أداء الجزية. وما كانت هذه الحماية فردية وإنما جماعية. فكان كل أفراد جماعة دينية معينة ينتمون إلى ملة، وكان الزعيم الديني مسؤولا أمام الدولة المسلمة عن طاعة أعضاء جماعته الدينية وعن جمع الجزية. وكان هذا النظام يؤطر حياة الجماعات الدينية غير المسلمة في الإمبراطورية العثمانية. وكان المليون يقعون تحت حماية الدولة ويتمتعون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، لكن مع بعض الإكراهات. فما كان بمكنتهم بناء كنائس جديدة، وحتى لما كان يتم الترخيص لهم بذلك ما كانت الكنائس لتعلو على المساجد. وما كان بمكنتهم أن يبرزوا على الملأ صلبانهم، ولا دق نواقيسهم، ولا الانخراط في سلك الجند، ولا شغل مناصب عليا في جهاز الدولة إلا قليلا. فما كانوا يتمتعون، إذن، بالحقوق ذاتها التي كان يتمتع بها المسلمون، بل كانوا يعدون مواطنين من الدرجة الثانية.

4)         سوف تلعب الكنيسة والفاناريون (الأعيان الذين كانوا يقطنون حي فانار بالقسطنطينية ويمارسون وظائف عليا في الإدارة العثمانية) ويونانيو المهجر دورا حاسما في حياة الشعب اليوناني. وسوف يسهمون أجمعون في كل الأنشطة الثقافية، ويبرهنون عن تضامن كبير على المستوى الفردي والجماعي. وهم من سوف يوفر لليونانيين المسيحيين وسائل مقاومة الأسلمة.

5)         يعد البطريرك جيناديوس سكولاريوس أحد أبرز الشخصيات في عالم أهل الأدب. وكل أعماله المحفوظة تم نشرها من طرف بوتي وسيدريس وجوجي تحت عنوان "أعمال جينادي سكولاريوس الكاملة" (بالفرنسية) في أربعة عشر جزءا، باريس 1928-1936. انظر: كذلك مقالة جوجي: "ملاحظات على نشر الأعمال الكاملة لجينادي سكلاريوس: فيما يتعلق بالمجلد الثالث" (بالفرنسية)، بنشرة جمعية الدراسات البيزنطية 8 (1931) ص375 وما يليها، وانظر أيضا مادة "سكولاريوس جينادوس" ضمن مصنف: قاموس اللاهوت الكاثوليكي (بالفرنسية) 14، باريس، ص1521-1570. هذا وقد درس أستاذ شعبة اللاهوت بجامعة أرسطو بتيسالونيكا، الأب ثيودروس زيسيس، بعمق حياة وأعمال سكولاريوس ضمن كتابه: "جيناديوس سكولاريوس: حياته وكتب تعاليمه" (باليونانية)، الطبعة الثانية، المؤسسة البطريكية للدراسات الأبوية، تيلاسونيكا، 1988. وانظر ببليوغرافيا أقدم من وضع رونو في كتابه: "حياة جيناديوس وأعماله" (بالإيطالية)، ص219-312. وكتاب أندريادس: "سكولاريوس جيناديوس" (باليونانية)، نشرة جريجوريوس بالماس 19 (1935)، ص11-15، 60-66، 81-85، 251-255. وكتاب أنتوبولو: " جيناديوس سكولاريوس: بطريرك الخريف" (باليونانية)، أثينا، 1974 (المنشورات الكنسية للمائية الوطنية، 17). وكتاب ديامانتوبولس: "جيناديوس سكولاريوس باعتباره شاهدا تاريخيا على سنوات المحنة" (باليونانية)، مجلة هلينيات، العدد 9، 1936، ص258-308. وكتاب: بونيس: "جورجيس جيناديوس كورتزيس سكولاريس" (باليونانية)، منشورات إستيا الجديدة 27، 1953، ص841-853. وأخيرا كتاب بابيوانو: "دراسة عن سكولاريوس جيناديوس" (باليونانية)، مجلة الحقيقة الكنسية، الحقبة 2، 18 (1898)، ص430-474.

6)         نشر النص الأول من طرف خريستوس بابيوانو في مجلة "الحقيقة الكنسية" 16، 1896، ص203-296، 210-212، 219-222، 227-229. وقد حقق بيتي وسيدريس وجيجي أعماله ونشروها في نشرة محققة مهمة، وقد نشر في مجلة: باترولوجيكا غريكا، نص منحول قدم على أنه النقاش الأول الذي دار بين سكولاريوس والسلطان محمد الثاني. على أن هذا النص هو في الحقيقة من وضع أتاناس المنتحل بعنوان: " بعض الأسئلة من أبينا القديس جيناديوس سكولاريوس" (باليونانية)، مجلة باترولوجيا غراييكا 28، ص773-776. والحال أن هذا النص المنحول كان قد نشر لأول مرة من طرف غاس تحت عنوان: "أرسطية وأفلاطونية جيناديوس وبليتون في الكنيسة اليونانية" (بالألمانية)، 1844، ملحق، ص16-30.وهذه النشرة تم إعادة طبعها في النشرة PG حيث تم تشذيب نص أتاناس المنتحل واعتباره نص أول نقاش بيين جيناديوس ومحمد الثاني، ولهذا نشر تحت عنوان: "عقيدة إيمان أولية" (باللاتينية)، هذا بينما النص الحقيقي في نشرة PG يحمل العنوان "عقيدة إيمان تالية" (باللاتينة)، PG، 160، A 333 و A 352. وإن العنوان الحقيقي لهذا النص الذي يشكل الصيغة المختصرة للنقاش بين سكولاريوس ومحمد الثاني هو النص التالي في نشرة PG:

Του αγιωτάτου και Πατριάρχου και φιλοσόφου Γενναδίου ομιλία περί της ορθής και αληθούς πίστεως χριστιανών διαλεχθείσα προς τους σοφιστάς Πέρσας των Αγαρηνών, προτροπή του μεγάλου αυθέντου, έμπροσθεν αυτού

7)         نصب البطريرك جيناديوس سكولاريوس -حسب الشهادات المتوفرة- يوم 6 يناير من عام 1454. وقد فوت إليه السلطان كنيسة القديسين الحواريين الشهيرة حتى ينقل إليها بطريركية كنيسة القديسة صوفيا التي حولت إلى مسجد. ولقد كانت كنيسة القديسين الحواريين آيلة للسقوط وكان الحي الذي توجد به قد هجر بعد أن كان مكتظا. ولهذا السبب حصل البطريرك من السلطان على الترخيص بتحويل البطريركية إلى دير قديم للراهبات، وهو دير العذراء باماكاريستوس الذي كان يوجد بحي مأهول بالسكان، لا سيما بالمسيحيين. هذا وقد هدمت كنيسة القديسين الحواريين وعلى أنقاضها بني السنة الموالية مسجد الفاتح الفخم على شرف محمد الفاتح. وقد بقيت البطريركية بدير باماكاريستوس إلى عام 1586 قبل أن تتحول على مسجد يعرف اليوم باسم جامع الفاتح. وفي عام 1599-1600، سمح أخيرا للبطريركية أن تقام في كنيسة القديس جورجيس، في قلب حي فانار، بحيث لا تزال توجد إلى حد اليوم.. انظر: بهذا الصدد: M. Gédéon, Χρονικά του Πατριαρχικού Οίκου και Ναού, Constantinople, 1894; Germanou Sardéon, «Ο πατριαρχικός οίκος και ναός από του 1453 και εξής» dans Orthodoxie 14 (1939), p110-115, 264-267, 299-305; A. Passadaiou, Ο Πατριαρχικός Οίκος του Οικουμενικού Θρόνου, Thessalonique, 1976. Sur les privilèges du Patriarcat Œcuménique voir.N. Eleftheriadis, Ανατολικαί Μελέται: Τα προνόμια του Οικουμενικού Πατριαρχείου, Smyrne, 1909. G: Hering, “Das islamische Recht und die Investitur des Gennadios Scholarios (1454)„ Balkan Studies 2 (1961), p221-256. Cf. également, K. Amantos, «Οι προνομιακοί ορισμοί του μουσουλμανισμού υπέρ των χριστιανών», Helleniques 9 (1936), p103-156.

8)         L. Petit - X. Sidéridès - M. Jugie, op. cit., vol. III, p434, 453.

9)         انظر:Turcograeciae, libri octo, Bâle 1584, p109-120.

وتتضمن هذه النشرة من بين ما تتضمنه:

« l’Historia Politica Constantinopoleos » (éd. J. Becker dans Corpus Scriptorum Historia Byzantinae, 1849) et « l’Historia Patriarchica Constantinopoleos » (éd., op. cit.).

وهذا عمل نسب إلى مانويل مالاكسوس (ت: 1581) الذي عاش بالقسطنطينية حيث أدار مدرسة صغيرة وكتب تاريخ البطاركة. وفي عام 1570 زار الأديب اللوثري شيفان غيرلاشن الذي كان مرتبطا بالجامعات اللوثرية بألمانيا ولا سيما جامعة توبنغن التي كان يتواجد بها محب الآداب الهلينية كروسيوس. وقد أنشأ صلة صداقة مع الكاتب الرسولي للكنيسة الكبرى، تيودوروس زيغومالاس، الذي قدمه إلى البطريرك إراميا الثاني (1573). هذا وقد عمل غيرلاش من جهة على الجمع بين زيغومالاس ومارتينوس غروسيوس وفي عام 1581 أرسل إليه الجزء الكبير من المواد المتعلق بمسائل شأن العوائد اللسانية الإغريقية والوضع الحالي للمدن الكبرى اليونانية القديمة. كما قوم أيضا نسخة من "تاريخ البطريركية" لصاحبه مالاكسوس. وقد مكنت هذه المواد العلامة الألماني من تحرير كتاب مهم تحت عنوان "المجموع التركي اليوناني" الذي يشكل مصدر المعلومات الرئيس عن العالم الإغريقي في القرن السادس عشر.

10)       Cf. a) PG 160, 333A-352A; b) L. Petit - X. Sidéridès - M. Jugie, op. cit., vol. III, p453-458; c) I. Karmiri, Τα δογματικά και συμβολικά μνημεία της Ορθοδόξου Καθολικής Εκκλησίας, Athènes, 1960, vol. I, p432-436 (le texte de la Confession).

11)       Cf. Turcograecia, p108.

12)       L. Petit - X. Sidéridès - M. Jugie, op. cit., vol. III, p458-475.

13)       N. Petrovits, Α΄. Γεννάδιος Σχολάριος-Πλήθων Γεμιστός. Β΄. Μονή Τιμίου Προδρόμου Σερρών. Γ΄. Άγιος Γεώργιος ο Κρυονερίτης, Athènes, 1969.

14)       للمزيد من المعلومات عن أعمال سكولاريوس الثلاثة هذه انظر: Th. N. Zissis, op. cit., p295-298.

15)       Cf. T. Evangélidis, Γενάδιος Β΄ Σχολάριος, πρώτος μετά την άλωσιν οικουμενικός πατριάρχης, Ιστορική και κριτική μελέτη, Athènes, 1896, p479, note 715.

16)       L. Petit - X. Sidéridès - M. Jugie, op. cit., vol. I, p283-294. N. Tomadakis étudie les conceptions politiques de Gennade dans son article «Γεώργιος Σχολάριος και αι πολιτικαί αντιλήψεις», Eglise 31 (1954) p257-261, 292-295.

17)       كان جورجيس التريبيزوندي يشكل عنصرا من حلقة أهل القلم الملتفة حول بلدييها المفكر الإنسي الكاردينال بيساريون والبابا نيكولا الخامس. وكانت حلقة أهل القلم هذه -التي كان ينتمي إليها الإنسيون اليونانيون من أمثال ميخائيل ابوستوليس وتيودوروس غازيس وأندرونيكوس كاليستوس وآخرون- تمثل الظهور الأول للآداب الإغريقية بروما.

18)       نشرت دراسة جورجيس التربيزوندي من طرف زوراس: G. Th. Zoras, Γεώργιος Τραπεζούντος και αι προς ελληνοτουρκικήν συνεννόησιν προσπάθειαι αυτού. Η «περί της των Χριστιανών πίστεως» πραγματεία αυτού, Athènes, 1954. Cf. également A. Th. Khoury, « Georges de Trébizonde (1395-1484), avocat de l’union politico-religieuse de l’Islam et du Christianisme », Proche Orient Chrétien XVIII, 4 (1968), p326-340.

19)       A. Argyriou, Les exégèses grecques de l’Apocalypse à l’époque turque (1453-1821) (التفسيرات الإغريقية للقيامة أيام العهد العثماني) , p69.

20)       Dans les textes des sources, on trouve son nom écrit Αμοιρούτζης et Αμυρούτζης. Voir Πολιτική και Πατριαρχική Ιστορία Κωνσταντινουπόλεως op. cit., p38 et 48.

21)       كتب لامبسيدس عرضا علميا عن البحر الأسود منذ الغزو التركي (1461) إلى أواسط القرن السابع عشر في كتابه: Histoire de la Nation grecque, Ekdotiki Athinon, Athènes, 1974, vol. 10, p180-187.

22)       Cf. « Historia Politica Constantinopoleos », éd. J. Becker, Corpus Scriptorum Historia Byzantinae, p38 et 48 et « Historia Patriarchica Constantinopoleos », op. cit., p130.

23)       نشر العمل أرغريو بالتعاون مع لاريغ تحت عنوان: "حوار مع محمد الثاني، سلطان الأتراك، عن الإيمان المسيحي" (بالفرنسية). وهي نشرة نقدية للأصل اللاتيني (محققة)، مع الترجمة إلى الفرنسية، والمدخل والحواشي. نشرت ضمن دورية: Byzantinische Forschungen XI (Amsterdam, 1987) 192 pages. وقد أشار أرجريو إلى هذا العمل في دراسته: "عن محمد وضد اللاتينيين" كتاب غير منشور لأنستازيوس جورجيوس (1656-1729، نشرة نقدية (تحقيق) للنص الإغريقي مصحوب بترجمة فرنسية وبمدخل وحواشي. وكان في الأصل رسالة دكتوراه السلك الثالث نوقشت بكلية الآداب بمدينة ستراسبورغ، 1967، في جزئين. كما علق على هذا العمل في مصنفه: "التفسيرات اليونانية للقيامة أيام الحقبة العثمانية (1453-1821)"، دكتوراه دولة بجامعة ستراسبورغ، 1977، المجلد الأول، ص69.

24)       انظر: كتاب "التاريخ السياسي للقسطنطينية" الذي أشير إليه من ذي قبل، ص38-39 والذي يروي سيرة أميروتز، حيث يؤكد أنه ليس فحسب ابنان من بنيه، وإنما هو أيضا تحول إلى الإسلام. وانظر أيضا كتاب: "تاريخ بطريركية القسطنطينية"، مصدر سبق ذكره، ص96-101.

25)       N. Tomadakis, «Ετούρκευσεν ο Γεώργιος Αμιρούτζης;», Société des Etudes byzantines 17 (1948), p99-143.

26)       K. Paparrigopoulos, Ιστορία του Ελληνικού Έθνους, vol. 5, Athènes 21887, p462-463 et 470.

وقد نشر أستاذ الجامعة بأثينا البروفيسور كارالوديس عام 1932 الكتاب في نشرة أوفى في ست مجلدات، مع تصويبات وحواشي وتنقيحات وإضافات.

27)       أشار البروفيسور والمؤرخ فاكالوبوليس أيضا إلى مشكلة الركود الفكري الذي تسبب فيه هروب أهل القلم إلى الغرب، إلا أنه ألح على الإشارة إلى الإسهام الهام الذي أسهم به هؤلاء في نهضة الآداب اليونانية بالغرب، وكفاحهم من أجل مواطنيهم المستعبدين. انظر: Vacalopoulos, «Πνευματικός βίος και παιδεία», Histoire de la Nation grecque, vol. 10, p356-361. Tassos Gritsopoulos, (Πατριαρχική Μεγάλη του Γένους Σχολή, vols I-II, Athènes 1966-1972, vol. I, p39). وبعد أن أشار هذا الأخير إلى إسهام أهل القلم في نهضة الآداب بالغرب، وأقر بما هي مدينة به أوربا لهؤلاء الذين لجؤوا إلى الغرب، اعتبر أن اغلب هؤلاء قطعوا كل أواصر الصلة بالشعب اليوناني الأرثوذكسي.

28)       M. Manoussakas, Εκκλήσεις (1453-1535) των Ελλήνων λογίων της Αναγεννήσεως προς τους ηγεμόνας της Ευρώπης για την απελευθέρωση της Ελλάδος, Thessalonique 1965.

29)       N. G. Svoronos, Επισκόπηση της Νεοελληνικής Ιστορίας (Bibliothèque Historique, éd. Thémélio), traduit du français par Aik. Asdrachas, Athènes 1978, p39.

30)       K. N. Sathas, Βιογραφίαι των εν τοις γράμμασι διαλαμψάντων Ελλήνων από της καταλύσεως της Βυζαντινής αυτοκρατορίας μέχρι της εθνεγερσίας, Athènes 1870.

31)       Linos Politis, Ιστορία της Νεοελληνικής Λογοτεχνίας, 3ème éd., Fondation culturelle de la Banque Nationale (Μορφωτικό Ίδρυμα Εθνικής Τραπέζης), Athènes 1980, p54. Cf. A. Vacalopoulos, «Έλληνες λόγιοι στη Δύση και η συμβολή τους στην Αναγέννηση των γραμμάτων», Histoire de la Nation grecque, vol. 10, p356.

32)       D. Zakythinos, «Το πρόβλημα της Ελληνικής συμβολής εις την Αναγέννησιν», Annuaire de la faculté de Littérature de l’Université d’Athènes 5 (1954-1955), p126-138; Ch. Patrinelis, «Έλληνες κωδικογράφοι των χρόνων της Αναγεννήσεως», Annuaire de l’archive médiéval de l’Académie d’Athènes 8-9, Athènes 1961.

33)       K. N. Sathas, Τουρκοκρατουμένη Ελλάς, Athènes 1869; Idem, Νεοελληνική Φιλολογία, Athènes 1868. Mentionnons également les importants ouvrages Idem auteur sur la Bibliothèque Médiévale, vol. 1-3, Venise 1872-1873, vol. 4-7, Paris 1874-1894 (réimpression Athènes 1972), ainsi que son œuvre Documents inédits relatifs à l’histoire de la Grèce au moyen-âge, vol. 1-9, Paris 1880-1890 (réimpression, Athènes 1972).

34)       K. Paparrigopoulos, Ιστορία του Ελληνικού Έθνους, από των αρχαιοτάτων χρόνων μέχρι των νεωτέρων, vol. 5, p451-470.

35)       Ch. Tsiter, Λόγιοι Έλληνες μετά την Άλωσιν, Athènes 1935. pAravantinos, Βιογραφική Συλλογή Λογίων της Τουρκοκρατίας, introduction, édition critique K. Th. Dimaras, Ioannina 1960. A. Angélou, Πλάτωνος Τύχαι. Η λόγια παράδοση στην τουρκοκρατία, Athènes 1963. L. Politis, Ιστορία της νέας ελληνικής λογοτεχνίας. (plan, résumé, bibliographie), Thessalonique 1968 (3ème édition, Thessalonique 1977, sous le titre Συνοπτική ιστορία της νέας ελληνικής ιστορίας). Idem, Ιστορία της νεοελληνικής λογοτεχνίας, 1979 (cet ouvrage est une traduction comportant des additions par rapport à l’édition anglaise d’origine, publié à Oxford en 1973). Ce sujet est plus précisément étudié par les historiens contemporains, tels que A. Vacalopoulos, G. Zoras et I. Hassiotis. Cf. A. Vacalopoulos, «Έλληνες λόγιοι στη Δύση και η συμβολή τους στην Αναγέννηση των Γραμμάτων», Histoire de la Nation grecque, vol. 10, p356-361. G. Zoras, «Ελληνική γλώσσα, διδασκαλία, ακαδημίες, εκπαίδευση», op. cit., vol. 10, p361-366. I. Hassiotis, «Η ιδέα της σταυροφορίας και η πατριωτική δράση των Ελλήνων λογίων της διασποράς (μέσα 15ου–μέσα 16ου αιώνα)», op. cit., vol. 10, p252-257.

36)       تكمن قيمة خريسولارس في دروسه الجذابة التي كانت تثير حماس سامعيه، وفي مقدرته على نقل معارفه الواسعة بالأدب الإغريقي إلى جمهوره، وذلك شأن معرفته مثلا بأفلاطون وكتاب آخرين من كتاب العهد لإغريقي. وفضلا عن مصنفاته في اللاهوت والأدب، نقل نقلا حرا نصوص أفلاطون وكتاب آخرين، وحرر نحوا للغة اليونانية راج أولا على شاكلة مخطوطات قبل أن ينشره بالبندقية عام 1471 الألماني آدم أوبرغاو تحت عنوان "قضايا في اللسان اليوناني" (باليونانية)، هذا ويعد كتابه في النحو أول كتاب منشور باللسان اليوناني. انظر: زوراس: "تاريخ الأمة اليونانية" (بالفرنسية).المجلد الأول. ص364. وإن عمل خريسولاريس المدرسي التعليمي الموسوم "قواعد المنطق" (باليونانية) انتشر انتشارا واسعا في حقبة السيطرة التركية.

37)       حفظت لنا مئات رسائل فيلفو باللسان اليوناني. وقد نشرها لوغران في كتابه: مائة وعشر رسائل يونانية لفرانسوا فيلفه (بالفرنسية)، باريس، 1982.

38)       Cf. Ph. Monnier, Le Quattrocento. Essai sur l’histoire littéraire du XVe siècle italien, vol. I-II, Paris 1912, II, p6.(القرن الرابع عشر: مقالة في التاريخ الأدبي للقرن الرابع عشر الإيطالي)

39)       Cf. Ph. Monnier, op,cit., II, p4

40)       H. Vaste, Le Cardinal Bessarion (1403-1472). Etudes sur la chrétienté et la Renaissance vers le milieu du XVe siècle, Paris 1878, pIX, XI. Cf. aussi R. Rocholl, Bessarion. Studie zur Geschichte der Renaissance, Leipzig 1904, p105. L. Mohler, Kardinal Bessarion als Theologe, Humanist und Staatsmann (Quellen und Forschungen, hrsg. Görres-Gesellschaft XX), vol. I-III, Paderborn, 1923-1942.

41)       نشرت العديد من أعمال بيساريون اللاهوتية والأدبية والرسائلية، سواء باللسان اليوناني أو اللاتيني. انظر: PG 161, 1-10 et 137C-746. وإن مدخل هذا المجلد ليعالج معالجة ضافية سيرة وأعمال بيساريون وكذا تقريظه والثناء عليه: PG 161, II-LXII et LXII-XCVIII. Cf. également l’éloge de Bessarion, CIII-CLV.

42)       Achilleus A. Kyrou, Βησσαρίων ο Έλλην, 1-2, Athènes 1947.

43)       K. N. Sathas, Νεοελληνική Φιλολογία, voir «Βίος Βησσαρίωνος».

44)       K. N. Sathas, Τουρκοκρατουμένη Ελλάς, Athènes 1869, p6-7.

45)       K. Paparrigopoulos, Ιστορία Ελληνικού Έθνους, vol. 5, p453. Cf. K. N. Sathas, Τουρκοκρατούμενη Ελλάς, p5-10.

46)       وإن المناشير الدورية الذي كان قد وجهها بيساريون إلى عاهلي أوربا، والتي كان من خلالها يستنهض هممهم لحمل السلاح ضد العثمانيين المسلمين نشرت باللسان اللاتيني بباريس وباللسان الإيطالي بالبندقية عام 1471. وبعض هذه الرسائل تمت إعادة نشرها. انظر: PG 161, 641A-672B (Orationes contra Turcas); Cardinalis Bessarionis, Ad Principes Italiae, De christianorum clade in Chalcide Euboeae, De periculis Italiae imminentibus expugnato Hydrunto, De Sedantis discordiis et decernento Bellio in Turcas, Orationes.

47)       لم يأبه ملك فرنسا لحجج بيساريون وأعاده أدراجه خاوي الوفاض. انظر: K. N. Sathas, Τουρκοκρατουμένη Ελλάς, p21.

48)       K. M. Setton, « The Byzantine Background to the Italian Renaissance », Proceedings of the American Philosophical Society (1956), p1-76, p74. Concernant les lettrés grecs à Venise, cf. D. J. Geanakoplos, Greek Scholars in Venice. Studies in the Dissemination of Greek Learning from Byzantium and the Western Europe, Cambridge, Mass, 1962. Plus particulièrement sur Bessarion, p28-33. Cf. également, M. Nicol, Church and Society in the Last Centuries of Byzantium, Cambridge 1979, p111-113 et notes. Sur sa bibliothèque, cf. L. Mohler, Kardinal Bessarion als Theologe, Humanist und Staatsmann, p408-415.

49)       Börje Knös, Un ambassadeur de l’hellénisme. Janus Lascaris et la tradition gréco-byzantine dans l’humanisme français, Paris 1945. Sur la vie de Lascaris, voir également K. N. Sathas à l’article correspondant de son ouvrage Νεοελληνική Φιλολογία. Cf. également I. Hassiotis, «Η ιδέα της ‘Σταυροφορίας’ και η πατριωτική δράση των Ελλήνων λογίων της διασποράς (μέσα 15ου –μέσα 16ου αι.)», Histoire de la Nation grecque, vol. 10, p255.

50)       Linos Politis, Ποιητική Ανθολογία, Livre II , Μετά την Άλωση éd. Galaxia, Athènes, 1965, p172. Idem Ιστορία της Νεοελληνικής Λογοτεχνίας, 3ème éd., Fondation culturelle de la Banque Nationale de Grèce, Athènes, 1980, p55 et 59.

51)       Voir A. Vacalopoulos, «Έλληνες λόγιοι στη Δύση και η συμβολή τους στην Αναγέννηση των Γραμμάτων», Histoire de la Nation grecque, vol. 10, p360. على إثر انتصار شارل الخامس على فرانسوا الأول، بعث البابا كليمنس السابع بلاسكاريس إلى الإمبراطور لكي يلتمس منه وباسمه إطلاق سراح ملك فرنسا من الأسر، ولكي يدعوه إلى شن حملة ضد العثمانيين. هذا ولقد تقدم لاسكاريس بين يدي الإمبراطور وخطب خطبة نفيسة نشر استهلالها ساتهاس في كتابه عن " احتلال الأتراك لليونان" (باليونانية)، مصدر مذكور سابقا، ص84-88.

52)       اجتاح شارل الثامن إيطاليا عام 1494 بغاية الاستبداد بنابولي ومنها الزحف على اليونان، وقد فشل في ذلك وتراجع: إلى فرنسا عام 1497 يرافقه لاسكاريس.

53)       عن تاريخ هذا المعهد انظر: Moustoxydi, «Το εν Ρώμη ελληνικόν Γυμνάσιον», Hellénomnimon (1843), p231. M. Manousakas, «Η παρουσίαση από τον Ιανό Λάσκαρη των πρώτων μαθητών του ελληνικού Γυμνασίου της Ρώμης στον πάπα Λέοντα Ι (15 Φεβρ. 1514)», Eranistis 1 (1963), p161-172. Sur ce collège, cf. V. Fanelli, « Il gimnasio Greco di Leone X a Roma », Studi Romani 9 (1961).

54)       أسس معهد روما (المعهد اليوناني القديس أتاناسيو) غريغوريوس الثالث عشر عام 1577، وقد صار الأهم والأشهر. وهذا البابا نفسه هو الذي حول المعهد الروماني إلى جامعة عالمية لمجموع العالم الكاثوليكي، وهي اليوم الجامعة الجريجورية. وقد كانت تستدعي الكنيسة الكاثوليكية رسميا إلى المعهد اليوناني لروما التلاميذ اليونانيين للدراسة به ولتلقي تربية لاهوتية وإنسية متألقة. انظر: Z. Tsirpanlis, «Η ίδρυση του Ελληνικού Κολλεγίου της Ρώμης και η στάση των Ελλήνων απέναντι σ’ αυτό», Histoire de la Nation grecque, vol. 10, p124-125.

55)       L’ensemble du texte du discours de Lascaris a été publié par K. N. Sathas dans Τουρκοκρατουμένη Ελλάς, p84-88.

56)       Le texte en grec de cette épigramme est le suivant: Λάσκαρις αλλοδαπή γαίη ένι κάτθετo, γαίαν

Ούτι λίην ξείνην, ω ξένε, μεμφόμενος· Εύρετο μειλιχίην· αλλ’ άχθετε είπερ Αχαιοίς

ουδ’ έτι χουν χεύει πατρίς ελευθέριον.

57)       V. Laourdas, «Η προς τον αυτοκράτορα Φρειδερίκον τον 3ον έκκλησις του Μιχαήλ Αποστόλη», Géras Antoniou Keramopoulou, Athènes, 1953, pp 516-527.

58)       L. Politis, Ποιητική Ανθολογία, livre 2, Μετά την Άλωση, Athènes, 1965, p172. Cf. I. Hassiotis dans Ιστορία του Ελληνικού Έθνους, vol. 10, p255.

59)       K. N. Sathas est le premier dans la bibliographie néohellénique à avoir fait mention de Moussouros dans son ouvrage Νεοελληνική Φιλολογία ainsi que dans son autre ouvrage Τουρκοκρατουμένη Ελλάς p73-75. Parmi les chercheurs étrangers, à la même époque, E. Legrand mentionne Moussouros dans son œuvre Bibliographie hellénique ou description raisonnée des ouvrages publiés par les Grecs au XVIIe s., Paris, 1885, vol. I, introduction, pCVII et CXXIV. Dans la bibliographie grecque récente, on note G. L. Vervéniotis, «Μάρκος Μουσούρος», Νouvelle Estia 2 (1927), p7-92. Cf. également N. Tomadakis, Εισαγωγήν εις την βυζαντινήν φιλολογίαν, Athènes, 1952, vol. I, p39. Voir en particulier D. I. Geanakoplos, Έλληνες Λόγιοι εις την Βενετίαν, Athènes, 1965, p103-149 (traduction en grec de l’ouvrage anglais publié sous le titre Greek Scholars in Venice. Studies in the Dissemination of Greek Learning from Byzantium and the Western Europe,Cambridge, Mass, 1962).

60)       كان ألدوس مانوتيوس هذا -الذي يتقن اليونانية واللاتينية- مفكرا إنسيا كبيرا مغرى بالآداب الكلاسيكية. وفي عام 1495 أسس بالبندقية المطبعة اليونانية حيث طبعت أعدادًا من المخطوطات الإغريقية. وكان يطمح في طبع أكبر عدد من المخطوطات اليونانية يقدر عليه. ولقد أسس وفق هذا المنظور الأكاديمية الألدينية (1500-1501)، وكانت عبارة عن جمعية لليونانيين ولأهل القلم من أوربا، وكان بفضلهم يجمع المخطوطات القديمة وينسخها ويحشي عليها وينشرها. والحال أن ألدوس هذا ما كان أول من تعاطى إلى مثل هذا العمل، بل تقدماه الكريتيين لاوونيكوس وألكسندروس لما هما دشنا مطبعة إغريقية بالبندقية عام 1486. انظر: D. J. Geanakoplos, Greek Scholars in Venice. Studies in the Dissemination of Greek Learning from Byzantium and the Western Europe, p57-58, 116-120, 128-131, 201-222, 284-286, et idem, Byzantine East and Latin West, Oxford, 1966, p126-128 (ces ouvrages sont traduits en grec, Έλληνες Λόγιοι στην Βενετίαν και Βυζαντινή Ανατολή και Λατινική Δύση, Athènes, 1966).

61)       D. J. Geanakoplos, « Erasmus and the Aldine Academie in Venice: a neglected chapter in the transmission of Greco-Byzantine Learning to the West », Greek, Roman and Byzantine Studies 3 (1960), p107-134.

62)       K. N. Sathas a publié l’hymne de Moussouros en entier dans son ouvrage Νεοελληνική Φιλολογία, p85-90. Voir la présentation plus récente de l’hymne par G. M. Sifakis, «Μάρκου Μουσούρου του Κρητός ποίημα εις τον Πλάτωνα», Chroniques crétoises 8 (1954), p369-388.

63)       Cf. K. N. Sathas, Τουρκοκρατουμένη Ελλάς p73-74. Sur la contribution de Moussouros à la diffusion des lettres grecques en Occident et au combat pour la libération de son pays, voir M. Manousakas et Ch. Patrinélis, «Η αλληλογραφία του Ιωάννου Γρηγοροπούλου μετά του Μ. Μουσούρου, Α. Αποστόλη, Ζ. Καλλέργη και άλλων λογίων της Αναγεννήσεως χρονολογουμένη», Annuaire de l’archive Médiéval de l’Académie d’Athènes, 10 (1960) 163-201.

64)       Sur Dimitrios Chalcocondylès, cf. D. J. Geanakoplos, Interaction of the "Sibling" Byzantine and Western Cultures in the Middle Ages and Italian Renaissance (330-1600), New Haven-Londres, 1976, p231-264.

65)       K. Paparrigopoulos, Ιστορία Ελληνικού Έθνους, vol. 5, p452.

66)       Voir infra: Partie II. 4.2.

67)       G. D. Ziakas, «Πνευματικός Βίος και Πολιτισμός της Θεσσαλονίκης κατά την περίοδο της Οθωμανικής κυριαρχίας», Centre d’Ηistoire de la municipalité de Thessalonique, no 15, Thessalonique 1994, p111-112.

68)       Dans la PG 161, 997C-1005A a été publiée une étude de Théodore Gazis, Περί αρχαιογονίας των Τούρκων (De origine Turcarum) adressée à Francesco Filelfo. Elle présente différents points de vue intéressants sur l’origine des Turcs, pour la plupart toutefois inexacts ou erronés. Certaines lettres de Gazis dans la PG 161, 1005B-1013A, présentent également un certain intérêt.

69)       A. Vacalopoulos, Ιστορία της Θεσσαλονίκης, p316-1983, Thessalonique 1983, p225. Cf. G. D. Ziakas, «Πνευματικός βίος και Πολιτισμός της Θεσσαλονίκης κατά την περίοδο της Οθωμανικής κυριαρχίας», op. cit, p112.

70)       Cet ouvrage a été publié dans la PG 161, 1131B-1142A sous le titre Μονωδία Κυρού Ανρδονίκου του Καλλίστου επί τη δυστυχεί Κωνσταντινουπόλει, voir également PG 161, 1139 AB.

71)       Voir, «Μονωδίαι και θρήνοι επι τη αλώσει της Κωνσταντινουπόλεως», Nouveau Hellénomnimon, 19 (1925), p97-101, où sont réunis des oracles en vers tirés de manuscrits du XVIème siècle qui prédisent la fin du règne des Ismaïliens et leur refoulement jusqu’aux confins de la terre des Sarrasins (Arabie).

72)       أقدم مجموعة من الإخبار بالمغيبات هي مجموعة استيفانتزس الموسومة باسم:

Συλλογή διαφόρων προρρήσεων, Athènes, 1838. Voir A. Argyriou, Les Exégèses grecques de l’Apocalypse à l’époque turque (1453-1821). Esquisse d’une histoire des courants idéologiques au sein du peuple grec asservi, éd. Société des Etudes macédoniennes Thessalonique 1982, p97, 359, 370, 379, 380, 381, 383, 384:

هذا وقد كان ستيفانتزس طبيبا وشارك مشاركة نشيطة في حرب الاستقلال (1821-1827)، كما أسهم في الحياة السياسية للدولة اليونانية الحديثة التأسيس، ونشر النبوءات بالاستناد إلى مخطوطة خريسومولغيون التي أعطاه إياها رئيس دير القديس ديمتريوس بأركاديا. وتضم هذه المجموعة مختلف الإخبار بالمغيبات والنبوءات: نبوءات إسطفن الإسكندري (ص57-67)، ونبوءات بطريرك القسطنطينية تاراسيوس (ص68-87)، والمغيبات المنسوبة إلى ليون الحكيم (ص121-123)، هذا فضلا عن نصوص وحواشي بانتاريس العريسي القيامية (ص8-43). وهي نصوص تتنبأ بسقوط الإمبراطورية العثمانية بعد 300 سنة من قيامها. وفيما يتعلق بالإخبار بالمغيبات. انظر: أيضا:

Ν. Bées, «Recueil d’oracles de la Bibliothèque nationale de Berlin (codex Graecus, fol. 62-297) et la légende du Roi de Marbre », Byzantinisch-neugriechische Jahrbrücher13 (Berlin-Athènes, 1936-1937), p203-244. Tr. E. Sklavenitès, Χρησμολογικό εικονογραφημένο μονόφυλλο των αρχών του 18ου αιώνα, Athènes, 1978 (réédité par la revue Mnimon). K. Th. Dimaras, « Les oracles dans notre nouvelle histoire », revue Eklogi 3 (1947), p196sq. F. Bouboulidis, «Ιστορημένα χρησμολόγια του Μουσείου Διονυσίου Λοβέρδου», Société des Etudes byzantines 38 (1971), p207-223. Concernant les oracles, voir également les manuscrits suivants: Anonyme, codex, no 1564 de la Bibliothèque Nationale d’Athènes: Oracles du régne des Turcs. Anonyme, codex no 71 de la Société Historique et Ethnologique d’Athènes: Exégèse de certains versets du Livre de l’Apocalypse de saint Jean. Anonyme, codex no 34, du monastère de St-Grégoire, Athos: Vision de Daniel le moine de l’année 1740.

73)       يوجد توصيف معبر جدا عن هذه المرويات في كتاب سبيروس فريونس:

The Decline of Medieval Hellenism in Asia Minor, p436-437, trad. en grec p388.

74)       Voir Procope de Césarée, Περί των του Δεσπότου Ιουστινιανού κτισμάτων (De Aedificiis), vol. III, des éditions des Apantes de Procope que l’on doit à J. Haury à la Bibliotheca Teubneriana, Opera Omnia Procopii Caesariensis, vol. I-III, Lipsiae, Teubner, 1905-1913. L’ouvrage Περί Κτισμάτων, qui fait le panégyrique de l’empereur, dans lequel est faite une description détaillée des bâtiments construits par Justinien sur tout le territoire de son vaste empire, est publié de façon plus complète par H. B. Dewing and G. Downey, Procopius of Caesareia, Buildings, London-Cambridge, 1954, vol. I.ii, p1-12. Voir également les commentaires dans cet ouvrage p395-398. Selon une version ultérieure, le bras de l’empereur était dirigé contre les Perses: voir T. Breger, Scriptores originum Constantinopolitarum, Leipzig 1907, vol. II, p159. Cf. Sp. Vryonis, The Decline,op. cit. p436, trad. en grec p388 et 600, note 105.

75)       A. A. Vasiliev, « Quelques remarques sur les voyageurs du Moyen-Âge à Constantinople », Mélanges Charles Diehl, 1 (Paris 1930) 295. Sp. Vryonis, The Decline of Medieval Hellenism in Asia Minor, p436-437, trad. en grec p388, nous informe que, dans le texte d’Al Harawi qui date du XIIème siècle, la boule est un talisman, C’est-à-dire qu’elle a un pouvoir dissuasif qui empêche les Grecs d’envahir le territoire des Arabes et inversement. Voir Sp. Vryonis, ibid., p436-437, trad. en grec p388.

76)       Supra, Partie I.

77)       بخصوص المعاطب التي لحقت بالتمثال وإصلاحات 1317، المرتبطة لا شك بسقوط "التفاحة" ينظر: Nicéphore Grigoras, dans Corpus Scriptorum Historiae Byzantinae, vol. I, p275-277.

78)       حافظ على هذه المروية أيضا الرحالة الأوربيون الذين، بعد قرون من سقوط القسطنطينية، زاروا المدينة. للمزيد. انظر: Sp. Vryonis (op. cit. p437, note 107, trad. en grec p388-601) cite le texte suivant de l’ouvrage de Mandeville. Mandeville’ s Travels, éd. et trad. M. Letts, London 1953, vol. II, p232-233: « E, deutant celle eglyse est lymage Iustinien l’empereur, et est ycelui ymage de cuyure doret et est a cheual couronne. Et souloit tenir une pomme doree en sa main, mais elle est piece a cheute hors. Et dist on que ce signifie se que empereur des Romains, des Gresce, de toute Asia la meuilleur, de toute la terre de Surie, de ma terre Iudee, en la quelle est Iherusalem, et de la terre degypte, darabie et de Persie. Mais il a tout perdu fors Gresce et le pays qui se tient seulement. Et aucuns ont cuidie plusiers foiz a remectre la pomme en sa main, mais elle ne se voult tenir. Celle pomme signifie la seigneurie que il auoit sur le monde, qui est ront. Et lautre main il tient leuee contre orient en signe de mancier les malfaiteurs ».

79)       إذا ما نحن استثنينا أعمال بحوث البروفيسور أرجيريو في مضمار الأدب الأخروي والقيامي، والتي سوف نقدمها فيما بعد (القسم الثاني: 4-1 الأدبيات الأخروية والقيامية)، فإن الإخبار بالمغيبات خلال القرون السادس والسابع والثامن عشر الميلادية ذات الصلة بالإسلام وبسقوطه، شكلت موضوع دراسة:

Alexandros S. Karyotoglou (qui a largement suivi Argyriou), Η περί του Ισλάμ και της πτώσεως αυτού «ελληνική χρησμολογική γραμματεία», από των αρχών του 16ου αι. μέχρι και του τέλους του 18ου αι., Athènes, 1982. ويتعلق الأمر برسالة دكتوراه نوقشت بكلية اللاهوت بجامعة أثينا. كما ثمة دراسات أقدم:

J. Nicolaides, Le Livre de divination, Paris, 1884: il s’agit là de l’édition d’une partie de la littérature prophétique qui appartient à la tradition de la Cappadoce. Η. Carney- J. Nicolaides, Folklore de Constantinople, Paris, 1894, p47-49. Sp. Lambros, «Μωνοδίαι και θρήνοι επί τη αλώσει της πόλεως» op. cit., 93-123. G. Megas, « La prise de Constantinople dans la poésie et la tradition populaire », Le cinq-centième anniversaire de la prise de Constantinople, L’Hellénisme Contemporain, Athènes, 1953, p125-133. Sp. Lambros, «Μονωδίαι και θρήνοι επί τη αλώσει της Κωνσταντινουπόλεως», Nouveau Hellénomnymon,19 (1925) 93-123.

80)       Του σοφωτάτου βασιλέως Λέοντος χρησμοί, PG 107. Les oracles ont été publiés par E. Legrand, Les oracles de Léon le Sage « collection des monuments pour servir à l’étude de la langue néo-grecque »; vol. 5, Athènes-Paris, 1875. Les commentaires apportés par A. Kominis sur ces oracles «Παρατηρήσεις εις του χρησμούς Λέοντος του Σοφού», Societé des Etudes byzantines 30 (1960-1961), p338sq. présentent un grand intérêt. Cf. également B. Knös, « Les Oracles de Léon le Sage d’après un livre d’oracles byzantins illustrés, récemment découvert », Hommage à la mémoire de M. Triandafylidi (Thessalonique, 1960), p155-188.

وبطبيعة الحال فإن نبوءات ليون قد نشرت تحت اسم منحول، وإن البحث ليجهل هوية واضعها ومكان وزمان وضعها. كما توجد تنويعات عديدة على النبوءات، سواء في اللغة العالمة أم الشعبية. على أنه من الواضح أنها متأخرة على عهد ليون وأنها حررت بعد الأحداث التي "تتنبأ" بها. ومن ثمة، تشكل تنبؤات متأخرة عن الأحداث. وبدءا من القرن الثاني عشر الميلادي، اكتست أهمية خاصة، وبعد سقوط القسطنطينية انتشرت في كل الغرب على ندرتها.

81)       كان ميتوديوس هذا أسقفا لبطاريس أو أولمبيا ليسيا، وكان إحدى الشخصيات اللاهوتية البارزة في القرن الثالث. وهو مؤلف كتابات لاهوتية عدة. وقد نسبت إليه العديد من النصوص المنشورة، من بينها "القيامة". وفي هذا العمل نبوءات سياسية، وهو مكون من مجموعة من الأخبار بالغيب متعلقة بما يستقبل من الأحداث الدائرة على الأتراك حتى نهاية العالم. وقد حفظ أصلها اليوناني وكذا ترجمتها اللاتينية والسلوفونية. ويبدو أنها كانت في الأصل قد حررها مسيحي من فلسطين، بعد الفتح الإسلامي، وأن الشعب بدأ ييأس من إمكان أن يحرر. ولقد كان هدف المحرر منح الأمل والشجاعة للشعب المقهور. ولقد حفظت عن هذه القياميات -التي عرفت فيما بعد اقتباسات عديدة شعبية وتأويلات مستجدة إلى القرن الخامس عشر الميلادي- أربع نسخ. ولقد انكب العديد من الباحثين على المسائل الفيلولوجية التي تثيرها القيامة. وإن النشرة المحققة الكاملة لهي:

Α. Lolos, Die Apocalypse des Pseudo-Methodios (Beiträge zur klassischen Philologie, 83) Meisenheim am Glan, 1979.

82)       بدءا من فترة متأخرة راجت العديد من الأعمال القيامية باسم دانيال، أكثرها رواجا "قيامة دانيال"، التي تتضمن تهديدات ضد القسطنطينية والعالم وتتنبأ بمقدم المسيح الدجال. ويبدو أن هذا العمل حرر في القرن الثالث عشر. هذا مع تقدم العلم أن "رؤى دانيال" تشبه من حيث مضمونها، قيامات ميتوديوس البطريسي المنتحل.

83)       En ce qui concerne la légende, voir R. M. Dawkins, “The red apple” dans l’Archive du trésor thracien, folklorique et linguistique, surcroît du 6ème tome (1941), p401-406. Κ. Romaios, «Η κόκκινη Μηλιά των εθνικών μας θρύλων» dans Société des Etudes Byzantines 23 (1953), p676-688. G. Papacharalambous «Η κόκκινη Μηλιά», Annuaire du Centre des Recherches Scientifiques, II (Nicosie, 1968-1969), p9-14. Cf. Sp. Vryonis, Byzantium and Islam, op. cit., London 1971, p238-240.

84)       يزودنا مؤرخ سقوط القسطنطينية، دوكاس (1400-1470)، بالأخبار التالية الدائرة على إخبارية غيبية العاهل المعوز التي أسر روح الشعب إعجابا عشية سقوط القسطنطينية. ويروي أن بسطاء الناس كانوا يهجرون بيوتاتهم ويلجؤون إلى الكنيسة الكبرى (القديسة صوفيا) بغاية الفرار من العدو. وهذا ما حدث بالفعل: "إذ منذ سنوات انصرمت، كانوا ينصتون إلى بعض المتنبئين الكذابين يتنبؤون بالطريقة التي سوف تسقط بها المدينة بين أيدي الأتراك وكيف سيدخلها هؤلاء دخولا عنيفا ويتتبعون الرومانيين بالذبح إلى نصب الإسكندر الأكبر التذكاري. إثرها سوف ينزل ملاك من السماء بسيف وسوف يهب السيف والسلطة إلى رجل غمر مجهول يكون متواجدا هناك قرب النصب، وهو رجل متواضع محتاج، وسوف يخاطبه الملاك بالقول: "خذ هذه السيف وانتقم لشعب الرب". وهنا سوف يفر الأتراك وسيتبعهم الرومان بالتقتيل والطرد من المدينة، ومن الغرب، ومن جزء من الشرق إلى حدود فارس، إلى بلد اسمه مونيدوندريا".

ήσαν προ πολλών χρόνων ακούοντες παρά τινων ψευδομάντεων πώς μέλλει Τούρκοις παραδοθήναι η πόλις και εισελθείν εντός μετά δυνάμεως και κατακόπτεσθαι τους Ρωμαίους παρ’ αυτών άχρι του κίονος του μεγάλου Κωνσταντίνου. Μετά δε ταύτα καταβάς άγγελος φέρων ρομφαίαν παραδώσει την βασιλείαν συν τη ρομφαία ανωνύμω τινί ανδρί ευρεθέντι τότε εν τω κίονι ισταμένω, λίαν απερίττω και πενιχρώ, και ερεί αυτώ: ‘λάβε την ρομφαίαν ταύτην, και εκδίκησον τον λαόν Κυρίου’. Τότε τροπήν έξονται οι Τούρκοι, και οι Ρωμαίοι καταδιώξουσιν αυτούς κόπτοντες, και εξελάσσουσιν και εκ της πόλεως και από της δύσεως και από των της ανατολής μερών άχρις ορίων Περσίας, εν τόπω καλουμένω Μονοδενδρίω»). Ducae, Historia Byzantina, ed. Bonnae, 1834, p289-290.

85)       Concernant les légendes du Roi de Marbre, voir Ν.G. Politis, Μελέται περί του βίου και της γλώσσης του ελληνικού λαού. Traditions vol. 1 (Athènes 1904, 1965) p22, et vol. 2, p658-674. Ν. Bées, «Περί του ιστορημένου χρησμολογίου της κρατικής βιβλιοθήκης του Βερολίνου (codex Graecus, fol. 62-297) και του θρύλου του μαρμαρωμένου βασιλεία», Byzantinisch-neugriechische Jarbücher, 13 (1936-1937), p203-244.

86)       توجد لهذه الشكوى (شكوى ملك الرخام)، التي ألفت ما بين القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر الميلاديين، ثلاث صيغ أولها وثانيها تتكون من 128 بيتا والثانية من 140 بيتا. للمزيد من التوضيحات انظر:

- Papadopoulos-Kerameus a publié une des variantes de cette complainte dans Byzantinische Zeitschrift 12, p267-272, à partir du codex patriarcal no 160 de la Bibliothèque de Jérusalem. La seconde a été publiée par D. Roussos dans le journal « Patris » de Bucarest du 29 mai 1903 à partir du codex du musée des Antiquités de Bucarest, no 279 sous le titre «Θρήνος ανωνύμου ποιητού επί τη αλώσει της Κωνσταντινουπόλεως»; la troisième variante de la complainte a été présentée par G. T. Zoras, Άγνωστος παραλλαγή του «Θρήνου της Κωνσταντινουπόλεως» κατά τον Αθηναϊκόν κώδικα (à partir du codex Athénaique) 3113, Athènes, p1959. وتتحاور في هذه الشكوى مدينتا البندقية والقسطنطينية في أمر سقوط المدينة. كما يتم تقديم تأويل تيوقراطي لسقوط المدينة؛ ذلك أن الشاعر يعزي الشر الذي حل بالمدينة إلى كثرة ذنوب الناس. والحال أن ما يركز عليه ليس سقوط المدينة في ذاته، وإنما الكارثة التي حلت بالمسيحيين. وهو الأمر الذي يسمح له بمهاجمة العثمانيين وديانتهم. وعلاوة على هذا، يلح على ضرورة ألا ينسى الشعب هذه المصيبة وأن يبقى يقظا أمام أفعال وإغراءات الديانة الإسلامية.

87)       En ce qui concerne les Livres hagiographiques, cf. Saint Jérôme (345/47? – 419/20?), prologus Galeatus: « tertius ordo Ηagiographa possidet ».

88)       Concernant ces croyances, voir Ν. G. Politis, «Δημώδεις δοξασίαι περί αποκαταστάσεως του ελληνικού έθνους», Mélanges Folkloriques 1 (Athènes, 1920), p14sq. Voir également, idem, Μελέται περί του Βίου και της γλώσσης του ελληνικού λαού. Παραδόσεις, vol. II, p680-683, où il est fait référence à l’autel de Sainte-Sophie qui sombra en même temps que le bateau qui le transportait en mer de Marmara, d’où il est prévu qu’on le transporte de nouveau dans la grande église de la chrétienté lorsque l’Empire chrétien sera rétabli.

89)       Voir Turan, “The Idea of World Domination among the Medieval Turks”, dans Studia Islamica, 4 (1955), p89. S. Brockelmann, Die Welt des Islams 5 (1917), p283-285. A. Fischer, “Qyzyl Elma, die Stadt (das Land) der Sehnsucht des Osmanenen” Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft 74 (1920), p170-175. Fr. Babinger, “Qizil Elma”, Der Islam 12 (1922), p109-111. J. Deny, « Les pseudo-prophéties concernant les Turcs au XVIe siècle », Revue des Etudes Islamiques X (1936), p201-220. E. Rossi, “La leggenda turco-bizantina del Pomo Rosso”, Studi bizantini e neoellenici V (1937), p542-553.

90)       شاعت هذه النبوءة بأوربا عام 1545 عن طريق الهنغاري جيورجفيتش الذي كان قد أسره الأتراك لسنوات عديدة. انظر: B: Georgievitč, Prognosa sive Praesagium Mehematanorum, primum de Christianorum calamitatibus, deinde de suae gentis interitu, ex Persica lingua in Latinum sermonem conversum, Antverpiae (1545). Cf. V. Heffening,“Die türkischen transkriptionstexte des Bartholomaeus Georgievits aus den Jahren 1544-1548. Ein Beitrag zur historischen Grammatik des Osmanisch-türkischen”, Abhandlungen für die Kunde des Morgenlandes XXVII, no 2 (Leipzig, 1942), p22-37.

91)       A. Vacalopoulos, «Το όραμα της ελευθερίας και οι λαϊκές προσδοκίες», Histoire de la Nation Grecque, vol. 10, p249-252.(يقدم لنا هذا الكتاب، صورة إيجابية عن المرويات والعوائد)

92)       راجع: فيما يخص حركة ديونيسيوس الثورية: Α. Vacalopoulos, Ιστορία του νέου ελληνισμού, vol. 1-3, Thessalonique, 1961-1973, ici vol. 3, p338-351. Voir également St. Papadopoulos, «Οι εξεγέρσεις του Μητροπολίτη Λαρίσης-Τρίκκης Διονυσίου του ‘Σκυλοσόφου’ (1600-1611)», Histoire de la Nation grecque, tome 10, p326-328.

93)       انظر: فيما يتعلق بماتيوس الميري وموقفه السلبي من حركة ديونيسيوس الثوري.

Α. Argyriou, Les Exégèses, op. cit., p105-106

94)       D. Sarros, «Μαξίμου Ιερομονάχου του Πελοποννησίου Λόγος στηλιτευτικός κατά Διονυσίου» dans Chroniques de l’Epire 3 (1928), p169-210.

95)       كتب أوستروغورسكي يقول: "ظلت طريقة العبادة المسيحية -لا سيما في تعبيرها الإغريقي باعتبارها تحققا لجوهر الحياة الروحية البيزنطية وفي الوقت نفسه نقيض الكاثوليكية الرومانية- بالنسبة إلى الإغريق كما بالنسبة إلى سلافيي الجنوب والشرق، أقدس الأقداس. فخلال قرون من السيطرة العثمانية، كان الإيمان الأرثدوكسي، بالنسبة إلى اليونانيين والبلغار والسلاف الجنوبيين، بمثابة التعبير عن هويتهم الروحية والقومية، ولقد صان الشعوب البلقانية من انقراضها في الموجة التركية العاتية. وهو الإيمان الذي منح قوته أيضا إلى نهضتهم القومية في القرن التاسع عشر".

Georg Ostrogorky, Ιστορία του Βυζαντινού κράτους (Geschichte des Byzantinischen Staates), traduction en grec par les professeurs I. Panagopoulos et E. K. Chryssos, vol. 1-3, Editions historiques Stephanos Vassilopoulos, Athènes, 1981, vol. 3, p276.

96)       اهتم أستريوس أرجريو -وهو عالم لاهوت ولغة- خصوصا بتأويلات سفر القيامة الذي وضعه يوحنا، وذلك خلال سنوات السيطرة العثمانية. وهو مؤسس شعبة الدراسات الهلينية الجديدة بستراسبورغ، وباحث وأستاذ ما بين الأعوام 1962 و1999، وقد أسهم في ازدهار دراسات اليونانية الحديثة بفرنسا، وذلك في الوقت نفسه الذي أولى فيه العناية الكبرى بالموازاة مع ذلك بالأدبيات القيامية اليونانية الدائرة على الإسلام في العهد العثماني وفي تشجيع الحوار بين المسيحيين والمسلمين. وقد كان إسهامه في عالم البحث باليونان ذا قيمة كبيرة. وإذ تأثر بطرائق الفرنسيين في البحث، فإنه نقل عوائد الفكر العلمي الفرنسي في البحث إلى البحث اليوناني وأقام صلات علمية وتعاون كبير مع زملائه اليونانيين. وإن عرضه الجوهري والحي للإسلام إنما مرده إلى كونه عاش ودرس لمدة أربع سنوات (1970-1974) بجامعة الجزائر. وفيما بين الأعوام 1989 و1991 قام بالتدريس، بوصفه أستاذا زائرا بجامعة تيسالونيكا، بكليات الآداب واللاهوت على التوالي. وإن عمله الغزير ليجمع بين عدد لا يعد من العناوين، التي توجد من بينها أعداد من المؤلفات والنشرات النقدية والمقالات والمداخل بالموسوعات والمجلات...على أننا سوف نشير إلى أعماله الدائرة على الإسلام والأدبيات القيامية في المقاطع التي تناسبها في دراستنا هذه (انظر القسم الثاني، 4-1 و2، و5).

97)       أهم هذه الأعمال:

1) « Sur Mahomet et contre les Latins », un Traité inédit d’Anastassios Gordios (1656-1729), religieux et professeur grec. Edition critique du texte grec, accompagnée d’une traduction française, d’une introduction et de notes (thèse pour le doctorat de troisième cycle). Strasbourg, 1967, 2 vol., 122 + 438 pages roneotypées. 2) « Anastassios Gordios et l’Islam », Revue des Sciences Religieuses 43 (Strasbourg,1969), p58-87. 3) «Αναστάσιος ο Γόρδιος και το Σύγγραμμά του περί Μωάμεθ και εναντίον των Λατίνων», Société des Etudes de la Grece continentale 2 (Athènes, 1969), p305-324. 4) Αναστασίου του Γορδίου (1654/5-1729) Σύγγραμμα περί Μωάμεθ και κατά των Λατείνων. Edition critique, accompagnée d’une introduction et de notes en français. (Société des Etudes de la Grece continentale, «Κείμενα και Μελέται 3»), Athènes, 1983, 138 pages (édition du texte du no 2). 5) «Εξήγησις εις την Αποκάλυψιν Ζαχαρία του Γεργάνου», Société des Etudes de la Grece continentale 4 (Athènes,1973), p367-400. 6) «Μαξίμου του Πελοποννησίου Ερμηνεία της Αποκαλύψεως ως απαρχή του ερμηνευτικού κινήματος κατά τους χρόνους της τουρκοκρατίας», Procès-verbal du 1er Congrès International des Etudes Péloponnésiennes, Athènes, 1976, tome. III, p1-8. 7) Macaire Makrès et la polémique contre l’Islam. Edition critique de cinq œuvres anti-islamiques inédites de Macaire Makrès ainsi que d’un « Eloge à Macaire » de la même époque (XVe s.) également inédit, accompagnée d’une longue introduction sur les questions soulevées par les textes. Studi e Testi, 314, Vatican, 1986, 346 pages. 8) Zacharie Gerganos d’Arta «Exégèse de l’Apocalypse de Jean le grand théologien». Edition critique du texte, accompagnée d’une introduction et de notes, éd. Artos Zoés, Athènes, 1992, 302 pages.

98)       فيما يخص التيارات الإيديولوجية التي تطورت في ظل الحضارة الهلينية والكنيسة الشرقية كتب أرغريو المصنفات التالية: Ιδεολογικά ρεύματα στους κόλπους του Ελληνισμού και της Ορθοδοξίας κατά τα χρόνια της Τουρκοκρατίας, Société Folklorique de Larissa, Larissa 1980, 42 pages. 2) «Εσχατολογική γραμματεία και σκέψη κατά τους χρόνους της Τουρκοκρατίας», Théologie 59 (Athènes, 1988), p308-322. 3) «Το ιδεολογικό περιεχόμενο των ερμηνειών στην Αποκάλυψη κατά την περίοδο του Νεοελληνικού Διαφωτισμού», dans 1900anniversaire de l’Apocalypse de Jean, Procès-verbal du Congrès Interdisciplinaire International, Athènes-Patmos, 17-26 septembre 1995, Athènes 1999, p163-181. 4) « L’enseignement supérieur dans les Ecoles grecques à l’époque turque », Balkan Studies 20 (Thessalonique, 1979) p168-176. 5) « Nationalismes et supranationalisme dans l’Eglise orthodoxe à l’époque turque », Aspects de l’Orthodoxie, éd. PUF, Paris, 1981, p135-152. 6) « Les idées politiques du monde grec après la Révolution française », Revue des Etudes Néo-helléniques, III, 1 (Athènes-Paris, 1994), p77-91. 7) « L’image de l’autre à travers quelques textes grecs de polémique anti-latine et anti-islamique », Byzantinische Forschungen XXII (Amsterdam, 1996), p193-211 ; 8) « La réception des Lumières par le monde orthodoxe asservi aux Turcs », Social Compass 44 (1997), p247-260. 9) « La vie religieuse et spirituelle du peuple orthodoxe grec sous domination ottomane », La Grèce moderne et l’héritage du passé, Presses universitaires Nice, 1997, p.147-163.

99)       Α. Argyriou, Les Exégèses, op.cit., p46-49. Cf. également H. Desroche, Dieux d’Hommes. Dictionnaire des Messianismes et Millénarisme de l’Ere Chrétienne, Paris–La Haye, 1969.

100)     تنتشر هذه الأفكار انتشارا واسعا في نصوص زكريا جيرغانوس وأناستازيوس جورديوس وسريلوس لافريوتس وغيرهم.

101)     Α. Argyriou, Les exégèses, op.cit., p120-121.

102)     للمزيد من التفاصيل راجع:Ang. Ziaka, La recherche grecque contemporaine et l’Islam, Thèse de Doctorat, Université de Strasbourg, Strasbourg, 2002, reproduction, ANRT, Lille 2004, p148-205.

103)     Carlo Maria Martini – Umberto Ecco, In cosa cres chi non crede ?, traduit en grec par Tota Tsatsou-Convertino, éd. Ellinika Grammata, Athènes, 1998, p16-17.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/5/105

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك