مفهوم الخير في الفلسفة الحديثة

أمل مبروك عبد الحليم

 

تمهيد:

 

لا شكَّ أن البحث الفلسفي في الحياة الأخلاقية، والكشف عما تنطوي عليه من آيات "الخير" و"أسس الواجب" و"ضروب الفضيلة"؛ من أوثق الأبحاث الجدية اتصالاً بالفكر البشرى , وقد فطن الناس للقيم الأخلاقية منذ أقدم العصور، ولمسوا وجودها في حياتهم اليومية، وشعروا بأن لهذا الوجود ميزات فريدة ظهرت أولها في مستوى الواجبات، أو الفضائل، وفي ارتباط الواجب بهدف محمود هو "الخير"، وضرورة مجانبة شيء مذموم هو "الشر". لذلك نظر فلاسفة الأخلاق إلى الحياة الإنسانية على أنها كفاح مستمر ضد "الشر"، وبحْثٌ متواصل عن "الخير"؛ فراحوا يبحثون عن ماهية "الخير"؛ هل هو قيمة مطْلقة أو نسبية؟ هل هو قيمة ذاتية في الأفعال؟ أو قيمة تضاف إلى الأفعال؟ كما وجهوا جّل اهتمامهم لبيان مسئولية الإنسان عما يصدر عنه من أفعال؛ ذلك لأنه لا قيمة للخير إلا بالاختيار الممكن للشر. والحق أن ما نسميه باسم "الخير" إنما هو عملية جهد حر يقوم فيها الإنسان بالبحث عن "القيم" بوصفها "غايات" أو "أهداف" نهائية للحياة البشرية.

 

معنى الخير:

 

قديماً كانت هناك محاولات لالتماس الحقائق من الألفاظ، على حد قول المفكر الإسلامي الكبير "أبي حامد الغزالي"(1058 -1111م)، وهذه المحاولات قام بها أيضاً الفيلسوف الوجودي "مارتن هيدجر" Heidegger (1889-1976)، وهى تستند -في الغالب- إلى اعتقاد مفاده: أن معنى الكلمة يكمن فيها كمون النفط في باطن الأرض. فما على المرء إلا أن يجيد الحفر - أي التحليل - في أصل الكلمة حتَّى ينبثق المعنى (أو الحقيقة) من داخل الكلمة ذاتها. وفي هذا المدخل شيء من التحليل، نوجهه إلى كلمة "الخير" مع التطرق إلى نظيرتها في اللغات الأوروبية الحديثة.

 

فالخيرُ لغوياً ضد الشر، وجمعه "خُيور", ومنه قول: "خِرْتَ يا رجلُ"، فأنت خائُر, وأيضاً قول: "وهو خيرُ منك وأخيرُ" , وقوله تعالى: ﴿تجدوه عند الله هو خيْراً﴾؛ أي تجدوه خيراً من متاع الدنيا. والخَيْر: الرجل الكثير الخَير وجمعها أخيارُ وخيارُ، و"الخيراتُ" جمع خَيْرَة وهى الفاضلة من كل شيء. وخَيَّرَ بين الأشياء؛ أي فضَّلَ بعضَها على بعض، والشيء على غيره: فضله عليه. وفلاناً: فوض إليه الاختيار، يقال: خَيَّره بين الشيئين. و"الخِيرُ" هو الكرم والشرف، والأصل، والطبيعة(1). أما الكلمة الإنجليزية "Good" -ونظيرتها الفرنسية Bien""- فتتصل بالفعل الألماني gut"" الذي يطلق على كل ما يحقق هدفاً، فالأدوية مثلاً تكون طيبة أو جيدة متى حققت غايتها في علاج المرضى، وهذا المعنى لا علاقة له بالأخلاق؛ لأن علم الأخلاق يُعنى بـ"الخير" حين يُستخدم غاية في ذاته لا وسيلة لتحقيق غاية، وهذا هو "الخير الأسمى" Supreme Good" " غاية الإنسان القصوى وقمة الخيرات والغاية العليا للأخلاق (2). كما تدل الكلمة على البحث في مقومات "الخير" وشروطه عند الإنسان بوصفه فرداً، ويتخذ هذا البحث - بوجه خاص - صورة اختيار للطبيعة العامة والأنواع الخاصة للفضيلة والسعادة (أو اللذة)، والوسائل المؤدية إلى تحقيق هاتين الغايتين؛ بمعنى اختبار مختلف أنواع اللذة والألم ومعرفة درجاتهما المتباينة، وكذلك تحديد طبيعة الفضائل المختلفة أو صفات الخلق الخيِّرة وأضدادها، ومعرفة العلاقات المتبادلة بينها (3). كما تعني أيضاً: كل فن وكل فحص عقلي، وكل فعل واختيار يرمي إلى خير ما؛ أي أن خير الإنسان بوصفه موضوع اختيار أو مقصد مبعثه التفكير؛ وهو مختلف عن الدوافع التي لا تعدو أن تكون حسية ووجدانية.

 

ومن هنا كان للبحث في "الخير" والمقاييس التي تستعمل في التمييز بينه وبين الشر مكانه الملحوظ في التفكير البشرى منذ أقدم العصور، واتسعت شُقَّة الخلاف بين الباحثين في تصورهم لطبيعة "الخيرية" "Goodness" ومقاييسها (4)، فقد رأى بعضهم أن "الخيرية" تطلق على ما يتصف به كل موجود من الكمال، فكل كائن ينزع بطبعه إلى كماله الذي هو خيرية هُوِيَّتِهِ. كما تعني "الخيرية" صفة للشخص الإنساني أو صفة الشيء الخارجي، فإذا أطلقت على الإنسان دلت على من يحب "الخير" ويفعله، أو على من يشعر بآلام الآخرين ويدفع الأذى عنهم، ويرغب في تحقيق سعادتهم. وإذا أطلقت على الشيء الخارجي دلت على ما يتصف به ذلك الشيء من الكمال الخاص به، أو على ما يجده الإنسان من اللذة والمنفعة في الحصول عليه. و"الخيرية" بهذا المعنى مرادفة للصلاح والطيبة والمنفعة، كقولنا: "خيرية" الفعل أي صلاحه، و"خيرية" النفس أي طيبتها، و"خيرية" العلم أي منفعته. ولا شك أن "الخير" بمفهومه العام يعادل مفهوم "القيمة"؛ أي يهتم بأهداف السلوك أو غاياته المثلى، ويكشف ما ينبغي السعي إليه؛ أي ما هو "خير" أو ما له "قيمة". ويذهب "رالف بارتن بيري" Perry (1876-1957)(5) - بهذا المعنى - إلى القول: "لدينا معنيان لكلمة خير، فهي في معناها العام تعني الطابع الذي يتخذه أي شيء في كونه موضوعاً لاهتمام إيجابي، وعلى ذلك فكل ما يرغب فيه الإنسان أو يحبه أو يريده هو إذن خير؛ أما مفهومها الخاص، فإن صفة الخير الأخلاقي تتجه نحو الاهتمامات المنظمة تنظيماً يتوافق مع اهتمامات ومصالح الآخرين". ويقول في موضع آخر: "الحياة الخيِّرة من الناحية الأخلاقية يمكن أن توصف بأنها شرط السعادة، وهو شرط تكون فيه كل المصالح إيجابية، وذلك بزيادة الأعضاء وتعاونهم. ويلقي هذا الوصف ضوءاً على المطلب التقليدي للسعادة الذي هو الهدف الأخلاقي الأسمى(6).

 

وهكذا فإن "الخير بالمعنى العام(7) - والذي يمثل القيمة العليا في تنظيم سائر القيم - ينقلنا إلى مفهوم "الخير الأسمى" كما سبق القول؛ فمعظم الفلاسفة يرون أن للعالم خيراً أو غاية قصوى، يدرك فيه خير الجنس البشرى على أنه هو نفسه "الخير العام" أو "المطلق"، أو متضمن فيه أو وثيق الاتصال به. و"الخير الأسمى" يمثل القانون الإلهي، كما رأى "اسبينوزا" Spinoza (1632 - 1677)، فالناس عادة والشرائع والأديان يهتمون ب"الخير الأسمى" يقول: "أعني بالقانون الإنساني: قاعدة للحياة، مهمتها الوحيدة هي المحافظة على سلامة الحياة والدولة، أما القانون الإلهي فأعني به قاعدة لا تهدف إلا للخير الأقصى؛ أي إلى المعرفة الحقة وإلى حب الله...فحب الله هو سعادة الإنسان القصوى ونعيمه, والغاية الأخيرة لجميع الأفعال الإنسانية"(8). و"الخير الأسمى" يفترض تنظيماً تصاعدياً في نظام تسلسلي واحد وشامل، حيث يشغل كل موضوع فيه مكاناً متميزاً فريداً تحدده علاقاته تجاه المجموع، فمعظم الأشياء التي نسميها خيرا لا تكون لها قيمة إلا من حيث هي وسيلة لخير أشمل منها، وهذا بدوره يبين أنه ليس إلا وسيلة لخير آخر أبعد مدى؛ وهكذا يكون لدينا سُلَّم متدرج حتَّى نصل للخير الأسمى (9).

 

إذن، "الخير" أساس علم الأخلاق؛ لكن أول خلاف يثار حول مفهوم "الخير" هو الخلاف المتعلق بمركز "الخير" في الكون؛ أي الخلاف المتعلق بطبيعة القيم بصفة عامة. فقد تساءل الفلاسفة: هل للخير وجود موضوعي مطلق؟ وهل هناك "خير" بالمعنى العام، أم هو دائماً نسبي تبعاً لرضا فرد معين أو تفضيله؟ هل هناك أحكام تقويمية شاملة تسري على كل البشر في كل مكان؟ وهل هناك شيء ينعقد إجماع الناس على وصفه ب"الخير", بغض النظر عن زمانهم أو مكانهم أو جنسهم أو حضارتهم؟ أم أن لكل شخص - في نهاية الأمر - نظاماً فردياً من القيم؟ بعبارة أخرى: هل القيم خاصية تنتمي إلى الأشياء ذاتها؟ أم أننا نحن الذين نضفي هذه القيم على الأشياء؟ أي، هل هي موضوعية أم ذاتية؟ مطلقة أم نسبية؟ (10) ويرى أنصار النظريَّة الموضوعية للقيمة أن "الخير" كامن في طبيعة الأشياء ذاتها، لا يختلف من فرد لآخر، ولا من عصر إلى عصر، ولا من مكان إلى مكان؛ لكن الذي يختلف هم الأفراد والجماعات؛ فقد تمنعهم البيئة أو التربية أو الظروف المحيطة بهم عن إدراك هذه الخصائص التي نسميها بالقيم، بحيث تجد مجتمعاً من المجتمعات أو فرداً من الأفراد لا يرى السلوك الأمين أو الصادق "خيراً" في ذاته؛ وتلك الحالات إن وُجدت فهي لا تدحض الحقيقة التي تقول إن "الخيرية" كامنة في طبيعة السلوك الأخلاقي نفسه. وهكذا يكون الحكم التقويمي في أساسه وصفاً لطبيعة الأشياء؛ أي للواقع ذاته.

 

ويمكن أن نجد نموذجاً للتصور الموضوعي للخير لدى الفيلسوف الأمريكي "جوزيا رويس" Royce (1855 - 1916) في فلسفته عن "الولاء" Philosophy of Loyalty، حيث أعطى لكل مظهر من مظاهر الولاء وجوداً موضوعياً خيراً (11). وقد رأى أن الولاء في ذاته "خير أسمى"، بغض النظر عن القضية التي تتخذها موضعاً لولائك؛ فينبغي أن نحدد ما يكون جديراً بولاء الإنسان، والشيء الذي يستحق من الإنسان ولاءه ينبغي أن يكون شيئاً يحتفظ له بذاتيته المستقلة. يقول: "إذا وجدتُ قضية معينة، وحازت إعجابي، وجذبتني إليها، فوهبتُ لها نفسي وخدمتها، فإني بذلك أكون قد حققت لنفسي - إذا ما اكتمل ولائي - الخير الأقصى... ولا يعنى ولائي خيري فقط؛ وإنما خير الآخرين أيضاً، فأنا لا أحصل على الخير، وإنما أمنحه للآخرين...وهكذا لا يقتصر الخير على الفرد فحسب؛ وإنما يشمل الآخرين طالما يوجد نوع الولاء للولاء؛ أي يوجد نوع من التدعيم لولاء الآخرين. إذن لا تُعد القضية خيرة إلا إذا كانت أساساً عبارة عن ولاء للولاء، وتُوصف بأنها قضية شريرة طالما أنها تحطم ولاء الآخرين"(12).

 

وقد أكد أنصار النظريَّة الذاتية في القيمة وجود تباين في الأحكام التقويمية، وأن هذا التباين يزداد عمقاً وفقاً لاختلاف الأشخاص والعصور؛ ذلك لأن كل قيمة تبدو صادرة - من وجهة النظر النفسية - عن الشعور بالرضا أو الإشباع Satisfaction، فنحن نصف أي شيء يُرضي أو يُشبع حاجة من حاجاتنا , أو يساعد على تحقيق مصلحة لنا؛ بأنه "خير" أو "قَيِّم" أو "مرغوب" فيه. وأعلى الأشياء قيمة هي تلك التي تشبع حاجاتنا على أفضل نحو، أو تُرضي حاجة من أقوى حاجاتنا، من هذا المنطلق، فإن ميولنا ورغباتنا تشبه لوحة حساسة تكشف لنا عن القيم التي لا وجود لها مطلقاً خارج هذه اللوحة (13)؛ ويترتب على ذلك أنه كلما فقد الشيء أو الموقف قدرته على إرضائنا انعدمت قيمته أيضاً. كل هذه الأمور يتخذ منها صاحب النظرة الذاتية شواهد على أن القيمة لا توجد إلا في أذهاننا، فالحكم التقويمي ليس إيضاحاً لصفات كامنة في الأشياء - تجعلها خيرة أو مرغوباً فيها لذاتها - وإنما هو مجرد تعبير عن تفضيل. وهذا التفضيل هو دائماً تفضيل شخصي، هو إعلان عما أُحبُّه أنا نفسي وأجده خيراً، وعما يُرضي رغبتي أو مصلحتي الخاصة؛ بل إن أحكامنا تتغير دائماً حتَّى في مجال التفضيل الشخصي هذا. فلا حاجة - مثلاً - بالمرء إلى أن يكون متشائماً ساخراً لكي يقول: إن كل أحكامنا التقويمية لا تعبر فقط عن تفضيل شخصي، وإنما تمثل تفضيلاً مرهوناً باللحظة وحدها، ومُعَرَّضاً للتغير دون سابق إنذار. ومن هنا، فإن أي خير هو بالضرورة تجربة لفرد ما، وعندما تتفق مجموعة من الأشخاص على قيمة أية تجربة فلن تكون لدينا إلا مجموعة من التجارب الفردية التي يُحكم عليها بأنها "خير"(14). وهكذا، فإن صاحب النظرة الذاتية لا يُعرِّف القيمة بأنها كامنة في الأشياء أو المواقف، وإنما يُعرِّفها بأنها "كل ما يشبع رغبة أو حاجة أو مصلحة". ويعبر "جون ستيوارت مل" J.S.Mill (1806 - 1873) عن هذا الرأي بتأكيده أن السؤال عن "الخير" هو سؤال بخصوص الأشياء المرغوبة، ويضيف أن الدليل الوحيد الممكن على أن الشيء خير هو أن الناس بالفعل ترغب فيه، والسعادة هي الشيء الوحيد المرغوب فيه لذاته بصرف النظر عما يُحتمل أن ينجم عنه من نتائج وآثار(15).

 

وقد رأى بعض الفلاسفة قصور الرأيين السابقين حول أحكام القيمة؛ ذلك لأنهم وضعوا المشكلة وضعاً خاطئاً حين تساءلوا: هل القيم موضوعية أو ذاتية؟ ثم افترضوا أنها لابد أن تكون إما ذاتية خالصة أو موضوعية خالصة(16). إذ إن هناك وجهة نظر أوسع وأرحب تضم الرأيين معاً، فلا تقتصر خيرية الأفعال مثلاُ على الأفعال وحدها، ولا تجعلها قاصرة على الإنسان وحده؛ فلا شك أنها تحمل الخاصيتين معاً. فالجوهرة لا تكمن قيمتها في ذاتها، إذ لابد أن تكون الجوهرة قيمة بالنسبة لشخص ما، غير أن خصائصها من ناحية أخرى هي خصائص طبيعية فيها، فنحن لم نخلقها؛ أعني أننا لسنا نحن الذين جعلناها لامعة ذات بريق. وقُلْ مثل ذلك بالنسبة للسلوك البشري، فنحن نختار سلوكاً معيناً يتصف بصفات خاصة , ونصفه ب"الأمانة" أو "الصدق" أو "الوفاء"، أو بأنه "خير" بصفة عامة. لكن هذه الخصائص ذاتها هي التي تتحكم في عملية الاختيار، فإذا كان الاختيار يمثل العامل الذاتي، فإن خصائص العقل نفسه تمثل العامل الموضوعي , ومنهما معاً يكون السلوك الأخلاقي.

 

لمحات تاريخية:

 

الدعوة الأخلاقية دعوة قديمة قِدَمَ المجتمعات البشرية، فما اجتمعت طائفة من الناس في أي مكان على ظهر الأرض وفي أي عصر من عصور التاريخ؛ إلا وقد نجم عن هذا التجمع قواعد للتمييز بين "الخير" و"الشر"، و"الحق" و"الباطل"، و"الكمال" و"النقصان"... وغير ذلك من المعايير التي يلتزم بها الإنسان في سلوكه ليحيا حياة سعيدة؛ ويحقق أكبر قدر من الطمأنينة والرضي والسعادة. ولا شك أن الإنسان هو الكائن الأخلاقي الذي يحمل "أمانة القيم"، بمعنى أن ما يُكوّن ماهية وجوده - من الناحية الأخلاقية - هو ما لديه من قدرة على حمل القيم الأخلاقية. وقد شغلت مسألة "القيمة" مساحة عريضة من بحث المفكرين والمهتمين بالجوانب الإنسانية والاجتماعية عبر التاريخ، فهي انعكاس للأسلوب الذي يفكر به الأفراد في ثقافة معينة، وفي فترة زمنية معينة؛ كما أنها تمثل نظاماً معقداً يتضمن أحكاماً تقويمية إيجابية أو سلبية - مقبولة أو مرفوضة - نحو الأشياء أو الأفعال أو حتَّى نحو الأشخاص(17). ومن ثمَّة تعكس "القيم" أهداف الإنسان واهتماماته الذاتية، كما تعكس حاجات النظام الاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه.

 

وإذا رجعنا إلى تاريخ الفكر الفلسفي سنجد أن مفهوم "الخير" هو أحد المفاهيم الأساسية التي عني بها الفلاسفة منذ أن أطلق "سقراط (18) Socrates (470-399 B.C) شعاره المعروف, والذي يعبر عن كل فلسفته "اعرف نفسك بنفسك"؛ هذا الشعار لا يكشف عن نظريَّة خاصة في طبيعة النفس ومصيرها، بقدر ما يكشف عن مضمون أخلاقي مستمد مما يترتب على هذه المعرفة بالنفس من توجيه معين لحياة الإنسان وسلوكه. فمعرفة النفس عنده هي معرفة "الخير" وتحقيق الفضيلة؛ لأن من يعرف نفسه يعرف ما يناسبها؛ أي يعرف الخير الخاص بها. ولما كان الخير الأسمى أو الغاية القصوى التي ينبغي أن يتجه إليها الإنسان في كل حياته هي "السعادة"؛ فعلى الحكيم أو الفيلسوف أن يسعى إلى بلوغها بالعقل والتخطيط السليم. و"السعادة" التي يقصدها "سقراط" والتي يتحقق بها "الخير الأسمى" هي قناعة النفس وطهارتها، لذلك فقد ترتب على مبدأ "اعرف نفسك" نظريته الأخلاقية التي تتلخص في أن "الفضيلة عِلْمٌ والرذيلة جهل"(19)، فجهل الإنسان بالخير هو وحده مصدر الشقاء والشر، وإذا كان الخير يرتبط بالسعادة فإن الشر يتحد بالشقاء؛ ولذلك يستحيل على الإنسان أن "يذهب إلى ما هو شر بإرادته ولا إلى ما يعتقد أنه شر، وليس من طبيعته - بحسب ما يبدو - أن يختار الشر بدلاً مما يعتقد أنه خير"(20).

 

ومن المعترف به أن "أفلاطون" Plato (427-347 B.C) كان أعظم المدافعين - في العالم القديم - عن فكرة موضوعية القيم، ولعل الأمر الذي حال بينه وبين وضع مذهب أخلاقي مطلق بالمعنى الكامل لهذه الكلمة؛ هو أنه كان متأثراً بذلك الاتجاه العام في الأخلاق اليونانية إلى تأكيد فكرة "السعادة"(21) بوصفها غاية لسلوك الإنسان، وإلى تجاهل فكرة "الواجب" بوصفها قطباً آخر يمكن أن تنجذب إليه أفعال البشر. وعلى الرغم من أن الأخلاق كانت عنده أخلاقاً غائية - شأنها شأن كل الأخلاق اليونانية - فإن بوادر الأخلاق المطلقة تظهر لديه من آن لآخر(22). ففي مطلع الكتاب الثاني من الجمهورية نجده يصنف الأشياء الخيرة إلى أشياء تُطلب لذاتها بغض النظر عن نتائجها، وأخرى تُطلب لذاتها ولنتائجها معاً، وثالثة تُطلب لنتائجها فقط. يقول: "كيف تُصنف الأشياء التي تسميها خيرة؟ أليس منها ما يُرغب فيه لذاته، بغض النظر عن نتائجه، كالملذات والمتع البريئة، التي تَطْرَب لها في وقتها، ولا تنجم عنها أية نتائج؟... ألا ترى بعد ذلك أن هناك فئة أخرى من الأشياء التي نعدّها خيراً، كالمعرفة والإبصار والصحة، لا نرغب فيها لذاتها فحسب؛ بل لما تستتبعه من نتائج أيضاً؟ أليس هناك فئة ثالثة كالرياضة البدنية، ورعاية المرضى، وممارسة الطب، وفنون مربحة أخرى - كلها نافعة وإن تكن تجلب الألم - من المحال أن نختارها لذاتها، وإنما لما ينشأ عنها من نتائج فحسب؟(23). رأى "أفلاطون" أن ما هو خير" ليس علة كل شيء، وإنما هو علة الأشياء الخيرة لا الشريرة، ليس علة معظم ما يحدث للناس؛ إذ أن الخير في حياة البشر قليل والشر فيها كثير. و"الخير" ليس له من مصدر سوى "الإله"، أما الشر فلنبحث له عن مصدر غيره"(24). ولقد كان من الطبعي أن يختلف الشراح في تجسيد ماهية ذلك "الخير" هل هو القيمة العليا فحسب، أم أنه المبدأ الميتافيزيقي الأعلى؟ وهل "الخير" خالق بالمعنى الحرفي، أم بالمعنى المجازي؟ وهل يمكن المضي إلى النهاية في تشبيه علاقة "الخير" بالكون بعلاقة الشمس بعالمنا الأرضي؟ (وهو التشبيه المشهور في أسطورة الكهف). وبالرجوع إلى أوصاف "الخير" -في الكتاب السادس من "الجمهورية(25)- سنجد أن "أفلاطون" جعل منه مبدأ كونياً، إلى جانب كونه قيمة، ونظر إليه على أنه أرفع موضوعات المعرفة والعلم، لا الأخلاق فحسب.

 

أما "أرسطو" Aristotle (384-322 B.C) فقد كتب العديد من الكتب في فلسفة الأخلاق؛ إلا أن كتابه "الأخلاق إلى نيقوماخوس"(26) يُعد من أهم هذه الكتب؛ فهو غني بتحليلاته للمعاني الأخلاقية والنفسية التي تنظر إلى ضروب النشاط البشري على أنها سلسلة متدرجة من مظاهر "الخير" أو "القيم". لقد كان "أرسطو" يرى - على خلاف "أفلاطون"- أن المجال الواقعي الوحيد هو العالم الطبعي المنظور، فالواقع والمثال الأعلى، والطبعي والروحي، هما حقيقة واحدة لا تنفصم. مثل هذا الرفض للثنائية يعني أن الحياة الخيرة ينبغي أن تُوصف على أساس عالمنا هذا، دون أية إشارة إلى المجال العلوي أو المجال فوق الطبيعي. وعلى ذلك فلابد لكشف طبيعة الحياة الخيرة أو صورة "الخير الأسمى" من دراسة طبيعة الإنسان، معنى ذلك أن الأخلاق إنما تهدف إلى البحث في أفعال الإنسان من حيث هو إنسان، وتهتم بتقرير ما ينبغي عمله وما ينبغي تجنبه لتنظيم حياة الموجود البشرى. يقول: "كل الفنون، وكل الأبحاث العقلية المرتبة، وجميع أفعالنا، وجميع مقاصدنا الأخلاقية يظهر أن غرضها شيء من الخير نرغب في بلوغه... إنه موضوع جميع آمالنا"(27). بحث "أرسطو" عن غاية الحياة، فرأى أن كل موجود بشري لابد أن يهدف إلى تحقيق خير ما، ولكن لما كانت الغايات والخيرات كثيرة ومتنوعة؛ أصبح من الضروري البحث عن "الخير الأسمى" الذي هو غاية في ذاته، دون أن يكون وسيلة لغاية أبعد؛ هذا "الخير" الذي تستهدفه جميع الأشياء هو "السعادة". يقول: "ما دامت كل معرفة وكل تصميم يُقصد به - بالضرورة - خير من نوع ما، فلنوضح ما هو الخير الذي يمكننا أن نتتبعه في جميع أعمال حياتنا... إنه السعادة، فطيب العيش وحسن الفعل مرادف لكون الإنسان سعيداً"(28). والواقع أن تحليل "أرسطو" للسعادة يشكل جوهر نظريته في الأخلاق؛ حيث يربط بين السعادة والفضيلة، "فالإنسان السعيد هو ذاك الذي يسير دائماً على مقتضى الفضيلة الكاملة"(29).

 

اتفقت "الأبيقورية" و"الرواقية" في تصور الغاية القصوى من حياة الإنسان، وإن اختلفت أساليب كل منهما لبلوغ هذه الغاية؛ أي لبلوغ السعادة التي تحقق طمأنينة النفس وهدوء البال. فالتمست "الأبيقورية" هذه السعادة نفسها في حياة الراحة والخلو من المخاوف والانفعالات، وتوخت الابتعاد عن الآلام ورحبت بالتمتع بالملذات؛ وأقامت موقفها الأخلاقي على أساس مبدأ "اللذة" الذي هو "الخير الأسمى" والألم الذي هو الشر الأقصى، وليست الفضيلة قيمة في ذاتها ولكن قيمتها تستمد من اللذات التي تقترن بها. وهذا ما قاله "أبيقور" Epicurus (341 - 270 B.C) - متأثراً بسلفه "أرستبوس" القورينائى Aristippus (435 - 355 B.C) (30) - حيث رأى أن كل لذة فضيلة، وكل فضيلة إنما مصدرها اللذة (31). أما "الرواقية" فقد توصلت إلى أن مفهوم للسعادة يعمل على قمع الأهواء , ووأد الشهوات , ومحاربة اللذات , والإشادة بحياة الزهد والحرمان، تحقيقاً للسعادة السلبية (وهى تعني البعد عن كل ألم) التي كانت سمة العصر كله (32). فالرواقي كان يرى أن الحياة الخيرة - التي ينبغي لكل حكيم أن يسعى إلى أن يحياها - هي تلك التي يتحدد بها واجب الإنسان على أساس قانون الطبيعة أو النظام العقلي للكون، هذا القانون يحدد لكل فرد مكانه في نظام الأشياء , ويقرر الواجبات والالتزامات التي تتوافق مع هذا المركز المحدد. ومن هنا كان قوام الحكمة - عند الرواقيين - هو الاعتراف بهذه المكانة، وبما يرتبط بها من واجبات؛ وبالتالي العيش في وفاق واعٍ مع الطبيعة (33)؛ أي مع العقل.

 

وأصبح قوام الحياة الأخلاقية مع "المسيحية" هو طاعة القانون، الذي يختلف كل الاختلاف عن القانون الذي اعترفت به "الرواقية"؛ هذا القانون الجديد ليس قانوناً يكتشفه العقل البشرى؛ وإنما جاء من الوحي الإلهي الذي لا نملك حياله إلا أن نطبقه؛ لأنه تعبير عن الإرادة الإلهية؛ وما دمنا نعتقد أن القوة التي تسهر على تنفيذ هذا القانون إرادة إلهية خيرة، فسوف يكون ذلك قانوناً خيراً يعبر عن حكمة عليا. ولهذا رأى "القديس أوغسطين" St.Augustine (354 - 430) - في كتابه "الاعترافات"(43)- أن كل المكاسب العقلية لم تستطع أن تُشبع نهمه الروحي، مادام "الخير الأسمى" -الذي يمكن أن يكفل لنا السعادة- إنما يتوقف على توجيه الإرادة توجيهاً صحيحاً نحو المحبة الإلهية (53). ويؤكد "القديس توما الأكوينى" T.Aquinas (1225-1274) أن "الخير الأسمى" ليس شيئاً آخر سوى الله نفسه؛ لأنه الخير الذي تكون جميع الخيرات الأخرى في حياة الإنسان تابعة له ومندرجة تحته. أما "ابن مسكويه"(63) (932-1030) فالخير عنده "علم مطلق هو عين الموجود الأعظم، وهو مقصد الأخيار جميعاً"؛ لكن لكل إنسان خيره الخاص أو سعادته التي تختلف باختلاف قاصديها، وهى تتحقق بتحصيل السعادة الروحية لا البدنية (73).

 

لكن يرفض "جيوردانو برونو" G. Bruno (1548-1600) - في عصر النهضة الأوروبية(83)- النظر إلى الأخلاق المسيحية بوصفها سبيلاً إلى السعادة الإنسانية، ويرى أننا نجد سعادتنا الحقيقية في تأمل الكون الذي هو وحدة إلهية عُليا. يقول: "من يجد الوحدة يكون قد وجد المفتاح الذي يستحيل من دونه التأمل الحقيقي للطبيعة... هذه الوحدة أبدية بلا نهاية وهي تشمل كل شيء، إنها السعادة الحقيقية(93). وقد اتجه الفكر الجديد في هذا العصر إلى النفور من حياة الزهد والتقشف والحرمان، واعتقد أن العمل الخَير في العالم الأرضي هو وحده الذي يحقق مطالب الحياة الأخلاقية. ومن أراد أن يُخضع سلوكه لمبادئ الأخلاق عليه أن يلجأ إلى نفسه؛ لأن إصلاحه لنفسه لا يأتي إلا عن طريق ذاته، ومجاهدة النفس ومحاربة أهوائها صراع باطني لا تفيد فيه سلطة خارجية , والإيمان بالله وبيسوع المسيح هو وحده -في هذا الفكر- الذي يضمن للنفس الطمأنينة والأمان. وهكذا لا نجد في عصر النهضة مذهباً أخلاقياً يعبر عن معنى "الخير"، فمثلاً "ماكيافللي" Machiavelli (1469-1527) كان ميدان بحثه يقع خارج نطاق الخير والشر، شأنه في ذلك شأن عالم الفيزياء النووية، والحجة التي كان يعرضها هي أنك إذا أردت اكتساب السلطة، فعليك أن تكون قاسياً بلا رحمة؛ فمن واجب الأمير "أن يفرق بقوة وحزم بين المبادئ الأخلاقية ومطالب الحكم؛ أي بين ضميره الخاص والصالح العام , وأن يكون مستعداً لأن يعمل من أجل الدولة ما يسمى شراً في علاقة الأفراد بعضهم ببعض"(40). إن الفضل الأكبر الذي أحدثته النهضة في توجيه التفكير الأخلاقي الحديث كان في إحياء النزعة العقلية , والشغف بإحياء التراث اليوناني والروماني، والانصراف عن لاهوت العصور الوسطى. لقد وجهت الأذهان إلى البحث عن أسس فلسفية للأخلاق، وإقامة قوانينها مستقلة عن اللاهوت، وساعدتها في ذلك حركة الإصلاح الديني التي هزت سلطة الكنيسة الكاثوليكية , ونادت إلى التحرر من السلطة العلمية التي مثلها "أرسطو". وفي غمرة هذه التيارات نبتت فلسفة أخلاقية جديدة - إبان القرن السابع عشر - هيأت الطريق لنضج اتجاهات متعددة في الفكر الأخلاقي(41).

 

الخير وأخلاق العقل

 

تميز القرن السابع عشر بميزة هامة، وهى عناية المفكرين بمسألة المنهج أو الطريقة الواجب اتباعها في البحوث العقلية. وقد رأى "ديكارت" Descartes (1596-1650) أن البحث في المنهج هو أهم المشكلات وأولاها بالعناية في مهمة الفيلسوف، حيث أراد أن يجعل بداية إصلاحه الفكري الظفر بطريقة قويمة للحصول على المعرفة الحقيقية، بواسطة النور الفطري فينا جميعاً, وهو نور العقل. يقول: "أعنى بالمنهج جملة قواعد مؤكدة، تعصم مراعاتُها ذهنَ الباحث من الوقوع في الخطأ، وتمكّنه من بلوغ اليقين في جميع ما يستطيع معرفته، دون أن يستنفد قواه في جهود ضائعة"(42). وفي مجال الأخلاق بيّن "ديكارت" الطرق التي تؤدي بالعقل إلى بلوغ الحقيقة في كل بحث أخلاقي، يسعى للوصول إلى الحكمة، التي هي غاية الفلسفة؛ فقد رأى أن موضوع الأخلاق(43) تدبير أفكارنا وهداية أعمالنا على الوجه الملائم؛ لكي ننال السعادة، وأمثل السبل وأوثقها - لكي نعمل أعمالاً ملائمة للسعادة - هو أن نعمل وفقاً للعقل.

 

وآراء "ديكارت - في هذا الشأن - متأثرة بمذهب الرواقيين؛ حيث فرق بين نوعين من "الخير": الخير الذي في مقدرونا ونحن مسؤولون عنه مسؤولية أخلاقية، والخير الذي ليس في مقدورنا ولسنا مسؤولين عنه. النوع الأول هو الخير الحق؛ لأنه راجع إلينا ولنا قدرة عليه. أما الثاني فليس خيراً على الحقيقة، وإنما يكون الخير الأسمى لكل شخص في الإرادة الثابتة وفي الرضى الناشئ عنها. ويرى "ديكارت" أيضاً أن الخير الأسمى هو معرفة الحق؛ لأن الخير والحق أمر واحد. يقول: "لما كانت إرادتنا لا تميل إلى السعي وراء شيء أو الانصراف عنه إلا لأن مَلَكَة الحكم عندنا تُصور لنا ذلك الشيء حَسَناً أو قبيحاً، فيكفى أن نحكم حكماً حسناً لكي نفعل فعلاً حسناً"(44). معنى ذلك أن الإرادة هي التي توجه أفكارنا، فيكون صنيعها حسناً إذا اهتدت بأفكار واضحة متميزة، ويكون صنيعها سيئاً إذا استرشدت بأفكار غامضة مبهمة. والقاعدة المثلى لإرادتنا - فيما يرى "ديكارت" - هي أن نريد العالم على نظامه الذي وجُد عليه؛ إذ ليس لنا سيطرة كاملة إلا على أفكارنا، وما دام الأمر كذلك فخليق بنا أن نسعى لمغالبة رغباتنا لا لتغيير نظام العالم.

 

أما "اسبينوزا" فقد أحدث تغييراً أساسياً في النظرة الفلسفية إلى مجال الأخلاق؛ فهو يرفض تفرقة الفلاسفة التقليديين بين مجال المعرفة النظريَّة (الميتافيزيقا)، ومجال المعرفة العملية (الأخلاق) , ويؤكد أنه كلما تعمقنا في فهم قوانين الطبيعة الشاملة كنا أقدر على فهم سلوك الإنسان؛ أي أن مجال الأخلاق ليس إلا مركزاً تتلاقى فيه سائر فروع المعرفة البشرية , ويُطبق فيه العلم الإنساني بكل ما حققه من نتائج. ومن وجهة النظر هذه فالأخلاق معرفة نظريَّة شأنها شأن العلم العقلي بوجه عام، والعلم ذاته له طابع أخلاقي (45). بهذا المعنى أيضاً يتجاوز "اسبينوزا" الحواجز بين الواقع والمثل الأعلى، بين ما هو فعلي وما هو مثالي؛ حيث أنكر الخير المطلق وعالم الغايات الذي ارتكزت عليه الأخلاق المثالية بأسرها. والقيم الأخلاقية - عنده - ليس لها مكان في المجرى الفعلي للطبيعة، والخير والشر لا وجود لهما إلا في أذهاننا , وليس لهما أية دلالة ميتافيزيقية، وإنما هما يتعلقان بوجهة نظر البشر فحسب. يقول: "الخير والشر لا يدلان على شيء إيجابي في الأشياء منظوراً إليها في ذاتها، وإنما هما أحوال للفكر أو موضوعات فكرية نكوّنها من مقارنة الأشياء بعضها ببعض... وهكذا يمكن أن يكون الشيء الواحد في الآن نفسه خيراً وشراً، وسوياً إزاء هذا وذاك(46).

 

وتقوم فلسفة الأخلاق (47) عند "كانط" Kant (1724-1804) على العقل وحده، مادام هو مصدر الإلزام الخلُقي، ومن هنا نسب "كانط" إلى الأخلاق صفة "الضرورة المطلقة"، ونادى بوجود قوانين أولية كلية وضرورية في مضمار السلوك الإنساني. وفي كتاب "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق " يقدم أوجه الاختلاف بين المبادئ الأخلاقية وقوانين الطبيعة، ويذهب إلى أن الاختلاف بينهما يكمن في إحساسنا الذاتي بالإلزام بطاعة القوانين الأخلاقية. يقول: "إن كل إنسان لابد أن يسلم بالقانون الأخلاقي؛ أعنى قاعدة الإلزام... هذه القاعدة لا ينبغي أن تلتمس في طبيعة الإنسان ولا في ظروف العالم الذي وُضع فيه، بل لابد من البحث عنها بطريقة قبلية في تصورات العقل الخالص وحدها"(48). والمبدأ الأخلاقي- والذي يمكن أن نعدُّه بمثابة الدعامة الأساسية لكل سلوك أخلاقي - هو "الإرادة الخيرة"؛ أي "الشيء الوحيد الذي يمكن عدُّه خيراً على الإطلاق"(49). إن ما يجعل الإرادة خيرة ليس أعمالها وألوان نجاحها، ولا استعدادها لبلوغ هذا الغرض أو ذاك؛ وإنما هو النية الطيبة التي لا يعادلها أي خير من الخيرات في هذا العالم , وتتمثل الإرادة الخيرة في إرادة العمل بمقتضى مبدأ "الواجب" الذي يقوم على احترام القانون.

 

ومن فكرة "الواجب" هذه يستنبط "كانط" ما يسميه مصادرات العقل العملي: (الحرية، خلود النفس، وجود الله) إنها مصادرات؛ لأنَّها لا تقبل البرهنة العقلية؛ وإنما هي موضوعات للاعتقاد فحسب؛ أي للإيمان غير العقلي. وفي كتابه "نقد العقل العملي" يحاول تحليل مفهوم "الخير" في ضوء نظريته الأخلاقية العامة في القانون الأخلاقي؛ حيث يرى أن العقل يحاول أن يرقى إلى فكرة الحاصل المطلق أو المجموع الكلي لهدفه الأعلى، ويسمي هذه الفكرة باسم "الخير الأسمى"(50). والمقصود بهذا الاصطلاح معنى الخير المشترك بين الخير الخلقي (أو الفضيلة) والخير الطبعي (كالخيرات المحسوسة واللذات)(51). والخير الأسمى هو كمال الإرادة من جهة، وكمال اللذة من جهة أخرى؛ أي أن هذا الخير يوحد في ذاته بين الإرادة الخالصة والخيرات المحسوسة؛ فيجمع بذلك بين الفضيلة والسعادة؛ هذه العلاقة هي التي تضفي على مفهوم الأخلاق طابعاً عقلياً من الوحدة والكمال. لكن لابد من وجود خالق عاقل للطبيعة يكون هو علة الارتباط بين الفضيلة والسعادة، هذا الموجود هو الله.

 

الخير وأخلاق العاطفة:

 

تندرج في أخلاق العاطفة ما دعا إليه "جان جاك روسو" Rousseau (1712 - 1778)(52) خصوصاً في كتابه: "رسالة في أصل التفاوت بين البشر" الذي نشره عام 1755، وكتابه: "إميل أو التربية" الذي صدر عام 1762؛ حيث أكد - في الكتاب الأول -"أن البشر في حالة الطبيعة لم يكن بينهم أي علاقات أخلاقية كائناً ما كان نوعها، ولا أي واجبات جرى عليها العرف، وليس ممكناً أن يكونوا أخياراً أو أشراراً، ولم تكن لهم فضائل ولا رذائل"(53). وقد رأى أن "توماس هوبز"Hobbes (1558 - 1679) أخطأ عندما ذهب إلى أن الإنسان شرير بطبعه، مادام ليس لديه أي معنى عن مفهوم "الخيرية"، وأنه متصف بالرذيلة؛ لأنه لا يعرف الفضيلة(54). والحق في نظر "روسو" أن الإنسان - في حالة الطبيعة - كان هانئاً سعيداً، وكانت حاجاته قليلة محدودة وإرضاؤه كان سهلاً يسيراً، وكان كل إنسان مساوياً الآخر. وأول يقظة للحس الأخلاقي إنما ظهرت بتأثير عاطفة فطرية لدى الإنسان هي عاطفة الشفقة والرحمة، ولذلك نراه يقول: "إن الشفقة ليست سوى شعور يجعلنا في مكان من يتعذب... هذا الشعور سيكون أكثر فعالية كلما ازداد الطابع الوجداني الحميم"(55). وكان تأثير التفاوت بين البشر معدوماُ؛ لكن عندما نشأت المجتمعات - عن طريق العقد الاجتماعي - صار الإنسان الخير بالطبع شريراً، وخطا خطوة جديدة نحو التفاوت بتنظيم حياته الاجتماعية (56). وقد عالج "روسو" هذا الموضوع أيضاً في كتابه "إميل أو التربية"، حيث رأى أن الطبيعة خيرة , وليس لنا أن نقاومها أو نعارضها في تقدمها الفطري. معنى ذلك أن الإنسان يولد خَيّراً خالصاً من الشرور، ولا يحوله عن خيره إلا الإنسان الذي يعيش معه والبيئة التي تحتضنه؛ أي المجتمع والحضارة والنظم الاجتماعية (57).

 

أما "آدم سميث" Adam Smith (1723-1790) (58) فقد انطلق من دراسة الطبيعة البشرية على غرار "هوبز" وسائر المفكرين الإنجليز في الأخلاق؛ لكنه عني عناية خاصة بتحليل مفهوم التعاطف أو المشاركة الوجدانية تحليلاً نفسياً دقيقاً بهدف استنباط قواعد السلوك الأخلاقي الصحيح. فوجد أن التعاطف هو العنصر النهائي الذي يكفي وحده لإقامة صرح الحياة الأخلاقية، ووجوده لا يحتاج إلى دليل أو برهان. يقول: "من المألوف أن يتألم المرء لآلام الآخرين، وتكرار هذا الأمر يبطل الحاجة إلى البرهان على وجود هذا التعاطف لدى الناس"(59). لقد رأى "سميث" أن الإنسان يتأثر بالانفعال الطيب أو الخير تأثَّرَهُ بالانفعال السيئ سواء بسواء. لكن الحق خلاف ذلك؛ لأن القلب إذا تُرك على طبيعته وسار وفق فطرته، اتجه إلى فعل الخير، وقدمه على غيره من الأفعال. إذن تتجه حركة التعاطف إلى الطيبة الخيرة، ولذلك يجوز أن نطلق هذا الحكم - كما يقول "سميث": "لا تطلب أن تنال سوى التعاطف، ولا تفعل إلا ما يسبب رضا أقرانك واستحسان إخوانك في الإنسانية"(60). ويذهب أيضاً إلى أن القواعد العامة للأخلاق تنشأ من جملة التأليف بين أحكام الموافقة والإحسان، أو أحكام المخالفة والاستهجان، مما يطلقه الناس على سلوك أقرانهم، فيعكسون أصداء تعاطفهم أو نفورهم. ولهذا قرر "سميث" أن مراعاة هذه القواعد هي إحساس الحق بالواجب، وهي المبدأ الوحيد الذي تستطيع غالبية الناس أن توجه أفعالها.

 

وتقوم الفضيلة عند "شوبنهاور" Schopenhauer (1788-1860) على مبدأ الشفقة أو التعاطف، وهذا المبدأ هو بمثابة إنكار لمبدأ "الفردية" وبالتالي إنكار للأنانية(61)؛ ومن ثم فإنه يمثل مرحلة أو صورة لإنكار الإرادة ذاتها. فالإنسان يصل إلى الفضيلة - أو التعاطف - عندما يستطيع برؤية حدسية أن يخترق حجاب "المايا" أو الوهم، عندئذ سيدرك أن الفردية خداع وزيف، وأن الإرادة كما توجد فيه، فإنها توجد في غيره من الأفراد؛ فهي واحدة في كل الأفراد بوصفها مصدراً للشقاء والألم والمعاناة. ومن هنا يشعر بالتعاطف والمشاركة الوجدانية مع الآخرين، وهذا ما تعبر عنه الحكمة الهندية التي تقول: Tat Tvam asi (This art thou!) ومعناها: "أنت هو ذاك"(62)؛ أي أن الإنسان في هوية مع غيره من الكائنات. وللوصول إلى فضيلة "الشفقة" أو "التعاطف" لابد من اجتياز مرحلة أولى هي "العدالة"؛ إذ إن الرغبة في العدالة تخفف من حدة الإرادة وتأكيد الأنانية؛ لأنها بمثابة اختراق للحصار الذي يضربه مبدأ "الفردية" حول الفرد، واعتراف منه بأن غيره يشارك في الماهية ذاتها؛ أي في الإرادة. وبمعنى أوضح، إننا نعترف بحق الغير في التمتع بكل ما لنا من حقوق، لذلك لا ينفصل مفهوم "التعاطف" عن هذا الشعور، وبناء على ذلك يرى شوبنهاور أن الإنسان الخير هو الذي يرتفع فوق مبدأ "الفردية" , فيشعر بأن الوجود بأسره وحدة كاملة، وأن البشر والكائنات جميعاً شيء واحد، هذا الإنسان الخير يستطيع أن يُكمل طريق الفضيلة والتعاطف ليصل إلى درجة الكمال أي درجة القداسة(63).

 

 

الخير وأخلاق المنفعة:

 

إذا كانت العصور القديمة قد شهدت العديد من مذاهب "الخير أو السعادة" ذات النزعة الفردية، فإن ظهور الكثير من المشكلات الحديثة المتعلقة بالجماعة والدولة والقانون، قد عمل على قيام مذهب جديد اتسم بالنزعة الاجتماعية، ينظر إلى "الخير" على أساس علمي تجريبي , ويرجع إلى التجربة لكي يتحقق من أن الشيء الواحد الذي يرغبه الناس جميعاً إنما هو "السعادة"؛ ويسمى هذا المذهب "بالمنفعة العامة"(64). وليست المنفعة في نظر أصحاب هذا المذهب سوى المبدأ الأخلاقي الذي يفضي إلى تحقيق أكبر سعادة ممكنة، فالخير - في رأيهم - يساوي ما هو "نافع" لنا، وهذا "النافع" إنما يكون في الوقت نفسه نافعاً لغيرنا. ويلجأ "بنتام" إلى معيار "النفع" حين يحكم على القيمة الأخلاقية لفِعْلٍ من الأفعال، فيرى أن الإنسان يلتمس ما يحقق منفعته أو لذته في كل فعل يأتيه، ويتجنب ما يؤدي إلى ضرره أو ألمه. يقول: "لقد وضعت الطبيعة الجنس البشري تحت سيطرة اللذة والألم... فهما يتحكمان في كل ما نفعل، وكل ما نقول، وكل ما نفكر فيه، ولا يمكن أن يؤدي أي جهد نبذله للتحرر من الخضوع لهما إلا إلى إثبات هذا الخضوع وتأكيده... ويعترف مبدأ المنفعة بهذا الخضوع، ويفترضه أساساً لهذا المذهب الذي يهدف إلى تكوين نسيج السعادة"(65). ثم يضيف قائلاً: "والمقصود بمبدأ المنفعة ذلك المبدأ الذي يتوقف عليه استحسان فعل من الأفعال أو استهجانه بمقتضى ما له من نزوع نحو زيادة (أو نقصان) سعادة الجانب الذي يكون الفعل متعلقاً بمصلحته. وبعبارة أخرى: إن معيار صواب الفعل إنما يكمن في نتائج هذا الفعل, وما تحققه هذه النتائج من زيادة سعادة الفرد أو المجتمع"(66). والأمر الذي كان "بنتام" يسعى إليه هو أن يجعل من هذا المبدأ المعيار المعترف به للأخلاق والتشريع.

 

وبيّن "جيمس مل" - عن طريق سيكولوجيا التداعي - بأننا لا نشعر بأية آلام أو لذات سوى آلامنا أو لذاتنا، وهذا يفسر إمكان السلوك الغيري من جانب الفرد الذي يبحث بطبيعته عن لذته الخاصة، بمعنى أن الفرد لا يبحث عن خير المجتمع إلا من حيث أنه وسيلة لخيره الخاص(67). أما "جون ستيوارت مل" فقد اتفق مع "بنتام" في إقرار مبدأ المنفعة غاية لكل سلوك أخلاقي، وفي تعليق أخلاقية الأفعال الإنسانية على مدى ما تحقق من منافع أو تدفع أضرار , يقول في مقدمة كتابه " مذهب المنفعة": "تتمسك النظريَّة التي تعتنق الأخلاق النفعية (أو مبدأ أعظم قدر من السعادة) بأن الأفعال تكون صائبة إذا كانت تميل إلى تحقيق السعادة، وتكون خاطئة إذا مالت إلى الشقاء والتعاسة , ونعني بالسعادة اللذة وغياب الألم، ونعني بالشقاء الألم وغياب اللذة (68). لكن "بنتام" حين عالج مشكلة الانتقال من المنفعة الخاصة إلى المنفعة العامة، أقام منفعة المجموع على أساس المنفعة الفردية، ولم يطالب الفرد بالتخلي عن أنانيته لصالح المجموع؛ بل أراد أن يوسع معنى الأنانية حتَّى تذوب في الخيرية، وتتلاشى في العمل لصالح الآخرين بشرط ألا ينتهي العمل من أجل المجموع بالقضاء على مصلحة الفرد. أما "مل" فقد عكس القضية؛ "لأن مبدأ المنفعة - في مذهبه - يقتضي من كل فرد أن يُنصف غيره، ويُخلص في طلب منافعه وإنصافه لنفسه وإخلاصه في التماس مصالحه ولذاته الخاصة"(69). إن غرض الوجود الأسمى - ويستوي بذلك خيرنا أو خير الآخرين كما يقول "مل"- هو "التطلع إلى حياة خالية من كل ألم بقدر المستطاع، حافلة ما أمكن باللذة المثلى من حيث الكم والكيف معاً، حياة لا تكفل ذلك للإنسانية وحدها؛ بل تتسع لتشمل كل كائن حي"(70).

 

وخلاصة القول: أن الأخلاقيين ذهبوا مذاهب شتى في تصورهم لمبدأ الحياة الأخلاقية أو "الخير" الأخلاقي؛ فالاتجاه التجريبي قد اتخذ في الأخلاق مذهبين: "مذهب اللذة " الذي يجعل من اللذة خيراً، ومن الألم شراً , ومذهب "المنفعة" الذي يجعل من المنفعة أو المصلحة - أو بالأحرى من أكبر قدر من المنفعة - مبدأً لتحديد ما هو خير. والفارق بينهما أن الأول يعتمد على الغريزة، والثاني يعتمد على العقل الذي يقضي أن يكون الإنسان أنفع للآخرين، بدلاً من أن يقتصر على البحث عن أكبر قدر ممكن من اللذة أو السعادة البشرية جمعاء. والمذهب العقلي الذي يستند إلى العقل في تقرير "الخير" وقواعد السلوك الإنساني، في مقابل أخلاق العاطفة، التي تستند إلى عنصر التعاطف أو الرحمة , وأخلاق الإرادة التي تمجد الشعور بالواجب , وتُجسد السلوك المؤدي إلى تحقيق الغايات الأخلاقية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)         ابن منظور، لسان العرب، دار الحديث، القاهرة، 2003، (المجلد الثالث)، (باب الخاء)، ص261. أيضاً: المُعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مطابع شركة الإعلانات الشرقية، 1985، الجزء الأول، (باب الخاء) ص273.

2)         - Lacey ,A Dictionary of philosophy, Routledge & Kegan Paul, London, Henley and Boston , New York ,2000 p 124. أيضاً: - Sergio,Temenbaum, Appearances of Good,: An Essay an Nature of Practical Reason , Cambridge University Press, 2007, p2.

3)         سد جويك، المجمل في تاريخ علم الأخلاق، ترجمة توفيق الطويل، وعبد الحميد حمدي، دار نشر الثقافة الإسكندرية، 1949، الجزء الأول (من أقدم العصور إلى مطلع العصر الحديث)، ص70. أيضاً: بيرتون يورتر، الحياة الكريمة، ترجمة أحمد حمدي محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993، الجزء الأول، ص63.

4)         - Georg Henrik Von Wright , The Varieties of Goodness , London: Routledge & K. Paul, New York, 1963, p12. يُنظر أيضاً: جميل صليبا، المُعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1971، ص550 - 551. كذلك: توفيق الطويل، أسس الفلسفة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979، ص424.

5)         "رالف بارتن بيرى" من أصحاب الواقعية الجديدة، ولد في مدينة "فرمونت" Poultney عام 1876، ودرس في جامعة "بريبستون" Princeton، وحصل على ليسانس الآداب عام 1896، ثم ذهب إلى "هارفارد" Harvard، حيث حصل على درجة الدكتوراه عام 1899. أصدر "بيرى" مؤلفات عديدة من أهمها كتاب " النظريَّة العامة للقيمة" وكتاب " أفاق القيمة" الذي يعد من أهم المؤلفات الضخمة التي تناولت موضوع القيم على نطاق واسع؛ فهو موسوعة ثقافية تبحث في الحضارة الإنسانية من شتى نواحيها.

6)         - Perry , R , B , General Theory of Value: meaning and basic principles construed in terms of interest , Cambridge: Haward university press , 1950, pp34 - 35.

يُنظر كذلك إلى كتاب بيرى: آفاق القيمة: دراسة نقدية للحضارة الإنسانية، ترجمة عبد المحسن عاطف، تقديم د. زكى نجيب محمود، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1968، ص147.

7)         يرى بعض المفكرين أن إيمان الفرد بخيره الذاتي هو الذي يؤدي إلى إيمانه بالخير العام , والنتيجة المترتبة على هذا الإيمان هي أن الخير العام موجود فعلاً، وهو الذي يُعده المفكرون أهم قيم الحياة، وإنكاره يجرد الحياة من هذه القيمة. يُنظر إلى: لويس دكنسون، فلسفة الخير، ترجمة رمزي حليم، مراجعة محمَّد بدران، مكتبة الأنجلو المصرية، سلسلة الألف كتاب (26)، ص11.

8)         اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، مراجعة فؤاد زكريا، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1981، ص193-194.

9)         الموسوعة الفلسفية العربية، إشراف معن زيادة، معهد الإنماء العربي، 1986، المجلد الأول (الاصطلاحات والمفاهيم)، ص420.

10)       هنترميد، الفلسفة أنواعها ومشكلاتها، ترجمة فؤاد زكريا، مكتبة مصر، القاهرة، 1997، ص261. أيضاً: إمام عبد الفتاح إمام، فلسفة الأخلاق، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1985، ص52.

11)       - Josiah Royce , The Basic Writings ,edited with an introduction by John. McDermott, New York: Fordham University Press , 2005, Volume 2, p855.

12)       جوزيا رويس، فلسفة الولاء، ترجمة أحمد الأنصاري، مراجعة حسن حنفي، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 2002، عدد (337) ص84 - 85.

13)       إميل برييه، اتجاهات الفلسفة المعاصرة، ترجمة محمود قاسم، مراجعة محمَّد القصاص، سلسلة (الألف كتاب - 10)، دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع، القاهرة، 1956، ص85.

14)       هنترميد، الفلسفة أنواعها ومشكلاتها، ص264.

15)       - Roger Crisp , Routledge philosophy Guidebook to Mill on Utilitarianism , Routledge ,New York Fetter lane , London , 1997 , p52.

أيضاً: توفيق الطويل، جون ستيوارت مل، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، دار المعارف، القاهرة، 1999، ص107.

16)       إمام عبد الفتاح إمام، فلسفة الأخلاق، ص55. أيضاً: صلاح قنصوه، نظريَّة القيمة في الفكر المعاصر، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1981، ص46.

17)       Milton Rokeach , Understanding Human Values: Individual and Societal, The Free Press , 1979 , p15.

18)       عرفت فلسفة الأخلاق قبل "سقراط" التفرقة بين السلوك الذي يصدر عن دوافع طبعية، والسلوك الذي يجرى بمقتضى قوانين أو قواعد عامة؛ لكن الحكم الأخلاقي على الأفعال الإنسانية كان يرتد - منذ فجر الحضارة - إلى المعتقد الديني والعرف الاجتماعي؛ أي إلى سلطة تقوم خارج الذات. أما رد الأحكام الأخلاقية إلى مبادئ عامة تصدق في كل زمان ومكان؛ فقد جاء على يد "سقراط" الذي حرص على إيجاد مقياس ثابت تقاس به خيرية الأفعال. توفيق الطويل، فلسفة الأخلاق: نشأتها وتطورها، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991، ص46 - 47. أيضاً: - Ronald Gross , Socrates’ Way: Seven Master Keys to using your mind to the Utmost , penguin, inc, New York ,2002 , p169.

19)       أميرة حلمي مطر، الفلسفة عند اليونان، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1986، ص155.

20)       أفلاطون، محاورة بروتاجوراس: في السفسطائيين والتربية، ترجمها عن النص اليوناني وقدم لها وعلق عليها عزت قرني، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، 1982، (358- د)، ص164. أيضاً: يقول أفلاطون في محاورة "مينون" "الفضيلة معرفة، فمن عرف الخير رغب فيه، ومن عرف الشر رغب عنه"، وحسب هذا الرأي السقراطي فإن الإقبال على الشر رغم معرفة أنه شر غير ممكن. أفلاطون، محاورة مينون: في الفضيلة، ترجمها عن النص اليوناني وقدم لها وعلق عليها عزت قرني، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، 1982، (77- ه)، ص93.

21)       "السعادة" عند أفلاطون تقترن بتحقيق فضيلة "العدالة"، فالعادل سعيد وإن أصابته المحن ونزلت به الكوارث وخلت حياته من المتع والملذات، فالآلام عنده قد تُطلب لذاتها ما دامت حسنة، وقد تُجتنب اللذات ما دامت رديئة. والنافع منها ما يجلب الخير, والضار هو ما يجلب لنا الشرور، وليس الأخيار أخياراً باللذة؛ بل بالخير الذي تجلبه هذه اللذة، وليس الأشرار أشراراً بالألم، وإنما بالشر الذي يقترن به هذا الألم. يُنظر في ذلك إلى: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1946، ص95.

22)       Douglas Cairns , Fritz Gregor Herrmann and Terry Penner, The Ethics and Metaphysics in Plato’s Republic, Edinburgh University Press , 2007. p258.

23)       أفلاطون، محاورة الجمهورية، دراسة وترجمة فؤاد زكريا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985 ص121، من دراسة المترجم.

24)       المرجع السابق، (الكتاب الثاني - 357)، ص214.

25)       المرجع السابق، (الكتاب الثاني - 379)، ص243.

26)       يمكن النظر إلى الكتاب السادس من محاورة الجمهورية ، 509، ص413.

27)       يُعد كتاب أرسطو "الأخلاق إلى نيقوماخوس" واحداً من أعظم المصادر في ميدان الأخلاق؛ بل إنه أيضاً واحد من المنابع التي لا تنضب لتجديد الفكر الفلسفي، وينطوي هذا الكتاب -بوجه عام- على ما جاء في كتبه الأخلاقية الأخرى، وهو ينقسم إلى كتب عشرة يضم كل واحد منها عدداً من الأبواب والفقرات. وقد بحث أرسطو في الكتاب الأول "الخير" وصورة الخير الأسمى أي "السعادة"، والسعادة لا تتحقق إلا بالفضيلة، ولذلك فقد تناول في الكتاب الثاني نظريَّة الفضيلة، وذكر في الكتاب الثالث فضيلة الشجاعة، وفضيلة العفة بوجه خاص. ثم انتقل في الكتاب الرابع إلى الحديث عن عدد من الفضائل الأخرى مثل: السخاء والمروءة والحلم والحياء والخجل... ودرس نظريَّة العدل في الكتاب الخامس، كما بحث في الكتاب السادس نظريَّة الفضائل العقلية، ونظريَّة عدم الاعتدال واللذة في الكتاب السابع. أما الكتابان الثامن والتاسع فيبحثان في نظريَّة الصداقة، ويرجع الكتاب العاشر إلى موضوع "السعادة؛ أي مضمونها الأصلي وهو التأمل والفهم.

28)       أرسطو طاليس، علم الأخلاق إلى نيقوماخوس، نقله إلى العربية أحمد لطفي السيد، دار صادر(مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة)، 1924، الجزء الأول،(ك1 ب1 ف1) ص167 - 168.

29)       المرجع السابق، (ك1 ب2 ف2) ص175.

30)       المرجع السابق، (ك1 ب8 ف10) ص213.

31)       "أرستبوس" هو مؤسّس المدرسة القورينائية، وأول القائلين بمذهب اللذة، عاش في "قورينة" Cyrene (عاصمة برقة - ليبيا) على الساحل الإفريقي للبحر المتوسط، في القرن الرابع قبل الميلاد. أقام فترة في مدينة أثينا أصبح فيها تلميذاً لسقراط، رأى أن اللذة - أو على الأصح - لذة اللحظة الحاضرة هي التي تتحكم في كل خير، فليست ثمة لذة عليا أو دنيا، وإنما الحياة الخيرة هي تلك التي تنطوي على أكبر قدر من أقوى إحساس ممكن باللذة. واللذة أيضاً تجربة إيجابية حية، وليست مجرد غياب الألم، فهي الغاية التي تنشدها الموجودات جميعاً.

32)       Jeffrey Fish and Kirk R. Sanders , Epicurus and The Epicurean Tradition, Cambridge University Press , 2011 , p105.

33)       توفيق الطويل، فلسفة الأخلاق: نشأتها وتطورها، ص106. أيضاً: د. عثمان أمين، الفلسفة الرواقية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1971، ص202.

34)       "الحياة وفقاً للطبيعة" عبارة قالها "زينون" Zeno (334 - 262 (B.C وتعنى أن الإنسان ينبغي عليه أن يعيش على وفاق مع الطبيعة، أعني على وفاق مع العقل. والإنسان حين يحيا وفقاً للعقل إنما يحيا وفقاً للقانون الذي يحكم العالم.

35)       ينقسم كتاب "الاعترافات" للقديس "أوغسطين" إلى ثلاثة عشر فصلاً، تناول فيه ذكريات طفولته وتجارب شبابه، وشتى أحداث حياته؛ محاولا تحليل مضمون هذه الخبرات النفسية في ضوء فهمه الروحي لمعنى الحياة الإنسانية. هذه الخبرات التي وصفها "أوغسطين" إنما تكشف عن قلق الذات التي تجد نفسها دائماً متأرجحة بين الوجود والعدم، بين الأبدية والزمان، بين الأمل واليأس. ولذلك فالكتاب ليس مجرد ترجمة ذاتية، بل هو أيضاً دراما حية تصف لنا السبيل الشاق الذي تنتهجه النفس البشرية في بحثها عن "الخلاص" أو "النجاة".

36)       د. زكريا إبراهيم، اعترافات القديس أوغسطين، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994، ص39.

37)       "أحمد بن يعقوب أبو على بن مسكويه" أكبر باحث عربي في مجال الأخلاق، مذهبه الفلسفي مزيج من آراء "أفلاطون" و"أرسطو" و"جالينوس"؛ بالإضافة إلى الشريعة الإسلامية, ولعل أعظم كتبه هو "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق", وقد وضعه لإيضاح الطريق إلى السلوك المستقيم، بعد دراسة علمية تجعل التزام هذا السلوك سبيلاً ميسوراً لا كلفة فيه ولا مشقة.

38)       ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، حققه قسطنطين زريق، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1961، المقالة الثالثة (الخير والسعادة)، ص78.

39)       لعب "برونو" دوراً بالغ الأهمية في إعادة صياغة الفكر الأوروبي إبان عصر النهضة في القرن السادس عشر. لم يكن يؤمن بالدعوة القائلة بحقيقتين إحداهما للاهوت والأخرى للفلسفة، بل كان يدعو إلى نظريَّة صارمة ذات حقيقة واحدة تحتوي فيها الفلسفة وحدها على معرفة واضحة صريحة بالله والعالم والإنسان، واللاهوت عنده ليس إلا أداة عملية للمحافظة على المسيحية المستقرة ولتنظيم السلوك العام.

40)       Giordano Bruno, Cause, Principle and Unity and Essays on Magic, Translated and edited by Richard J. Blackwell and Robert De lucca, Cambridge University Press , 1998 , p70.

41)       محمَّد مختار الزقزوقي، نيقولا ماكيافللي: "دراسة تحليلية محورها كتاب الأمير"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2004، ص242.

42)       توفيق الطويل، فلسفة الأخلاق: نشأتها وتطورها، ص156.

43)       يُنظر إلى: ديكارت، مقال عن المنهج، ترجمة محمود الخضيري، مراجعة محمَّد مصطفى حلمي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985، ص141. أيضاً:

John Marshall, Descartes’s Moral Theory, Cornell University Press,1998, p11.

44)       يلخص "ديكارت" مذهبه الأخلاقي في ثلاث قواعد هي: الأولى: أن يطيع الإنسان قوانين بلاده وأن يحترم عاداتها، مع الثبات على الديانة التي نشأ عليها، وأن يدبر شؤونه في سائر الأمور تبعاً لأكثر الآراء اعتدالاً. الثانية: أن يستطيع الثبات في أعماله، وأن يتجنب الشك والتردد في سياسته. الثالثة: أن يجتهد في مغالبة نفسه والحد من رغباته ونزواته، لا مغالبة الحظ أو مقاومة القدر؛ لأن أفكارنا ملك لنا نستطيع أن نتحكم فيها كما نشاء... وعلى هذا النحو نستطيع أن ننعم بالغنى والقوة والحرية وكل أنواع السعادة. ديكارت، مقال عن المنهج، ص199 - 204. أيضاً:

John Marshall, Descartes’s Moral Theory, Cornell University Press , 1998 , p11

45)       ديكارت، رسائل في الأخلاق: رسالة إلى اليزبث، في 15 سبتمبر 1645، نقلاً عن عثمان أمين، ديكارت، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1969، ص226.

46)       فؤاد زكريا، اسبينوزا، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1983، ص196 - 197.

47)       Spinoza , Ethics: Oxford Philosophical Texts, edited and translated by G ,H ,R Parkinson , Classic Books International , New York , 2009 , p160.

أيضاً: عبد الرحمن بدوي، الأخلاق النظريَّة، وكالة المطبوعات، الكويت، 1976، ص263.

48)       عرض "كانط" فلسفته عن الأخلاق في كتابين رئيسين هما: "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" الذي ظهر عام 1785، ثم" نقد العقل العملي" الذي ظهر عام 1788. الكتاب الأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام: يعرض في القسم الأول مشكلة الانتقال من المعرفة العقلية المشتركة بالأخلاق إلى المعرفة الفلسفية. ويناقش في القسم الثاني مشكلة الانتقال من الفلسفة الأخلاقية الشعبية إلى ميتافيزيقا الأخلاق. ويتحدث في القسم الثالث عن الخطوة الأخيرة التي تنقلنا من ميتافيزيقا الأخلاق إلى نقد العقل العملي الخالص؛ وعلى ذلك فالموضوع الرئيس الذي يناقشه "كانط" - في هذا الكتاب - هو البحث عن المبدأ الأعلى للأخلاق وتثبيت دعائمه. أما في الكتاب الثاني فإننا نجد "كانط" يهتم بتأسيس الأخلاق من حيث هي علم. وينقسم "نقد العقل العملي" إلى ثلاثة أجزاء: في الجزء الأول الذي يطلق عليه اسم "التحليل" نراه يدرس مبادئ العقل العملي أي فكرة الخير. ثم ينتقل إلى الجزء الثاني الذي يسميه "الجدل" فيعلو بمفهوم الخير إلى المستوى المطلق، ويتحدث بالتالي عن مفهوم "الخير الأسمى". وفي الجزء الثالث الذي يسميه "مناهج العلم" يبحث في مجموع الوسائل التي لابد من استخدامها لكي نفتح أمام قوانين العقل العملي الخالص سبيلاً للنفاذ إلى باطن النفس الإنسانية.

49)       إمانويل كانْت، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة عبد الغفار مكاوي، مراجعة عبد الرحمن بدوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980، ص8. يُنظر أيضاً إلى: إميل بوترو، فلسفة كانط، ترجمة عثمان أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972، ص348.

50)       المرجع السابق، ص17. وانظر: إمانويل كنْت، نقد العقل العملي، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، 2008، ص29.

Allen W.Wood , Kantian Ethics, Cambridge University Press , 2008 , p31.

51) زكريا إبراهيم، كانْت أو الفلسفة النقدية، مكتبة مصر، القاهرة، 1972، ص210.

52) لم تكن فلسفة "روسو" إلا مزيجاً من العودة إلى الطبيعة التي نادي بها "لاو- تسى"، والعطف على الفقراء الذي نادي به "بوذا"، والبحث عن العدل الاجتماعي ومشروع العالم الأفضل الذي صممه "جون لوك". كان في طفولته وشبابه مثالاً للنشاط والحيوية، ولم يكد يبلغ السابعة والثلاثين من عمره حتَّى نشر كتابه "مقال في العلوم والفنون" الذي بحث فيه عن أسباب المدنية وازدهار الحضارة، لكن أشهر مؤلفاته: "رسالة في أصل التفاوت بين البشر"، و"إميل أو التربية" و"العقد الاجتماعي"، و"الاعترافات"، ويُعد كتاب الاعترافات أول عمل أدبي يكشف فيه عن نفسه، فيُظهرها على حقيقتها الكاملة دون زيف، فقد سجل "روسو" أدق تفاصيل حياته واعترف بكل أخطائه. يقول: "إنني أقوم بمحاولة لم يسبقني إليها أحد، ولم يكن لها نظير. أنا أريد أن أعرض على قرائي إنساناً في أصدق صور طبيعته، هذا الإنسان هو أنا.. أنا وحدي!.. فإني أعرف ما في سريرتي وأفهم طبيعة البشر. لقد قمت في هذا الكتاب بالكشف عن أعمق أغوار نفسي. - جان جاك روسو، الاعترافات، ترجمة حلمي مراد، دار البشير للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق - بيروت، 1998، ص9.

53) جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ترجمة بولس غانم، تعليق وتقديم عبد العزيز لبيب، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان، 2009، ص98.

54) يرى بعض المفكرين أن "هوبز" لم يقل: إن البشر بطبيعتهم أشرار؛ لكنه يقول باستمرار: "إنك واجد وسط مجموعة كبيرة من البشر مجموعة صغيرة من البشر أشرار"، لكن على الرغم من أن الأشرار أقل عدداً من الأخيار؛ فإنه لا ينتج من ذلك أن هؤلاء الأشرار هم أشرار بالطبيعة. يُنظر إلى: إمام عبد الفتاح إمام، توماس هوبز: فيلسوف العقلانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1985، ص258.

55) جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ص103.

56) جان جاك روسو، العقد الاجتماعي أو مبادئ الحقوق السياسية، ترجمة عادل زعيتر، مؤسّسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان، 1995، ص43.

57) جان جاك روسو، إميل أو التربية، ترجمة عادل زعيتر، دار المعارف، القاهرة، 1956، ص32.

58) "آدم سميث" فيلسوف وباحث اقتصادي أسكتلندي، من منظري الليبرالية الاقتصادية، ويعُد من الشخصيات الرئيسة في التنوير.اتسمت كتاباته بالدقة والوضوح في عديد من المجالات:القانون والسياسة والاقتصاد والأخلاق، حيث اهتم بوضع نظام فكرى يوحد فروع العلم الإنساني. درس بجامعة "جلاسجو" Glasgow مبادئ الفلسفة الأخلاقية على يد "هاتشيسون" Hutcheson (1694 - 1746)، ثم حصل على منحة دراسية في جامعة أكسفورد Oxford لدراسة اللاهوت. عمل أستاذاً للمنطق، ثم الفلسفة الأخلاقية عام 1751، وقد شملت فلسفة القانون والاقتصاد السياسي. من أهم أعماله: "ثروة الأمم" الذي صدر عام 1776، بحث في هذا الكتاب عن الأسباب التي تكفل ازدهار قدرة العمل الإنتاجية، وإيضاح ضروب السياسات الزراعية والصناعية لدى الأمم المختلفة. وحاول في كتابه "نظريَّة العواطف الأخلاقية" الذي صدر عام 1759 أن يبين طبيعة الإنسان وميوله الأساسية، ويبحث عن منابع السعادة والفضيلة.

59) Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments, edited by D.D. Raphael and A.L. Macfie. Oxford University Press , 1976 , p1,(II.1).

(60) - I bid , p6,(II.16). يُنظر أيضاً إلى: عادل العوا، المذاهب الأخلاقية: عرض ونفد، مطبعة جامعة دمشق، الجزء الثاني،1964، ص454. كذلك: جوناثان ب. ويت، إنقاذ آدم سميث: قصة الثروة والتحول والفضيلة، ترجمة سمير كريم، تقديم جودة عبد الخالق، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2009، عدد (1306)، ص15.

(61) "الأنانية" عند "شوبنهاور" هي إنكار إرادة الحياة في الغير وتأكيدها في أنفسنا فحسب، يقول: "مذهب الأنانية هو المذهب الذي تنظر فيه الأنا إلى كل الظواهر التي تقع خارج سياق إرادتها الخاصة على أنها أطياف.. أي أن المرء هنا ينظر إلى شخصه باعتباره الشخص الوحيد الموجود، معتبراً كل الأشخاص الآخرين مجرد أطياف". - آرتور شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلاً، ترجمة سعيد توفيق، مراجعة فاطمة مسعود، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2006، عدد (1075) المجلد الأول، ص200.

(62 Schopenhauer, The Essential Schopenhauer: Key Selections from The World as Will and Representation and Other Writings, edited by Wolfgang, Schirmacher, Harper Collins Books, 2010, pXX.

يُنظر أيضاً إلى: فؤاد كامل، الفرد في فلسفة شوبنهور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1991، ص103. كذلك: سعيد توفيق، ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1983، ص88.

63) "الإنسان الخّير" هنا مثل "القديس" أو "العبقري" يستطيع أن يتحرر من أسر الرغبات أو الإرادة، ومن عالم الظواهر أو عالم المادة والكثرة، ليرتقي إلى عالم الوحدة والحقيقة والخلود؛ أي عالم القداسة. يُنظر إلى: سعيد توفيق، ميتافيزيقا الفن عند شوبنهاور، ص97.

64) نشأ اتجاه مذهب "المنفعة العامة" على يد "فرنسيس بيكون" F. Bacon (1561 - 1622) الذي احتلت فكرة الصالح العام عنده مكان الصدارة في التشريع والأخلاق، وأكد بعده "ريتشارد كمبرلند" R. Cumberland (1631 - 1718) أن خير الجميع غاية عليا لسلوك الإنسان ومعيار أقصى لتقييم أفعاله، والخير العام قانون الأخلاق الأسمى، وبه يتحقق سعادة الفرد والجماعة معاً. وسار في هذا الاتجاه "شافتسبرى" Shaflesbury (1671 - 1713) فربط خير الفرد بخير المجموع، ورأى أن "الخيرية" لا تكون إلا بخير المجتمع الإنساني وبلوغ سعادته. وجاء "هاتشيسون" وتوصل إلى صيغة المذهب النفعي، فجعل غاية السلوك تحقيق "أوفى قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس"؛ وساير هذا التيار "بطلر" Butler(1692-1752) ورأى أن سعادة المجموع غاية السلوك الإنساني والتي يقرها الضمير. ثم اتخذ "مذهب المنفعة العامة" صورته التجريبية عند كل من "جيرمى بنتام" J. Bentham (1748-1832)، و"جيمس مل" J. Mill (1773 - 1836)، "وجون ستيوارت مل". يُنظر إلى: توفيق الطويل، مذهب المنفعة العامة في فلسفة الأخلاق، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1953، ص87.

65) Jeremy Bentham, An Introduction to the Principles of Morals and Legislation, Batoche Books,Kitchener,2000,ch.1,sect.1, p14.

(66 ch. 1, sect.vi , p15. - I bid. Graham Wallas, Jeremy Bentham, Political Science Quarterly, Vol. 38. No.! (Mar, 1923), p47.

(67) فردريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة، ترجمة محمود سيد أحمد، مراجعة إمام عبد الفتاح إمام، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2009،عدد (1330) المجلد الثامن (من بنتام إلى رسل) ص47. يُنظر أيضاً إلى: وليم ديفدسون، النفعيون، ترجمة محمَّد إبراهيم زكى، مراجعة عبد الحميد يونس، سلسلة (الألف كتاب - 213) مكتبة نهضة مصر، القاهرة، ص84.

(68 John Stuart Mill, Utilitarianism, Reprinted from Fraser`s Magazine, seventh edition, London, Longmans, Green, and Co, 1879. Copyright 2004, The Pennsylvania State University. p9.

(69 I bid, p38. David Lyons, Mill`s Theory of Morality, Nous, Vol. 10. No.2,Sympsiumon Utilitarianism, (May, 1976), p109.

(70 John Stuart Mill, Utilitarianism, pp.38-39.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/5/100

الأكثر مشاركة في الفيس بوك