تراثنا العلمي المفقود

د. عبدالله الحاج

 

يمر الوطن العربي بموجة من الاضطرابات، وعدم الاستقرار، سياسياً واقتصادياً، وحتى ثقافياً وعلمياً، فالوضع يعد مأساوياً. ففي كثير من الدول العربية انقسامات وحروب وطائفية مقيتة، زرعها من زرعها، ولكن نحن الملامون والضحايا معاً.

في هذا الوضع، وانعدام الأمن والأمان، من الصعب أن لا تتأثر الحالة العلمية في أي قُطر، فالجامعات والمدارس ومراكز البحوث والمتاحف، كانت المستهدف الأول لكل هذه النزاعات، بل وصل الحال إلى قتل وتشريد العلماء. وإذا أردنا أن نقيس مستوى العلم والمعرفة بمقياس (علمي)، فلنأخذ مثلاً عدد براءات الاختراع كمؤشر للحالة المعرفية والمستوى العلمي للمجتمع العربي، فما تنتجه 8 دول عربية من طلبات براءات الاختراع نحو 491 براءة. وهي أقل مما تسجله ماليزيا منفردة مثلاً بنحو 557 براءة، كما أن الطلبات التي تقدمت بها إسرائيل نحو 1377 طلباً. وإذا علمنا أن عدد الطلبات التي تقدم بها العالم في عام 2012م كانت نحو 194400 براءة اختراع. أي أن ما قدمه العالم العربي يساوي أقل من نصف في المائة (0.25%) مما قدمه العالم. وهي نسبة ضئيلة تضع العالم العربي في مؤخرة الدول الفاعلة في مجال العلم والمعرفة. وبالرغم من أن هناك تحركات جادة وخططاً لترسيخ العلوم والتقنية في المجتمع، فمثلاً أصبحت المملكة العربية السعودية الأولى في عدد الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية، فقد قفزت من 1362 ورقة علمية في عام 2007، إلى 1686 ورقة بعد تنفيذ الخطة الوطنية للعلوم والتقنية في عام 2008، في حين وصل عدد الأوراق العلمية المنشورة لعام 2012م إلى 7418 ورقة علمية، أي بزيادة قدرها 440% ولكن المشوار مازال طويلاً، وهناك الكثير من العمل والجهد لكي نلحق بالركب.

يقول الدكتور نضال قسوم، في مجلة نيتشر العربية، في مقال عن حال الفلك العربي اليوم: (الحالة المؤسفة التي وصل إليها علم الفلك العربي اليوم، المتباينة مع عصره الذهبي، والذي استمر من أوائل القرن التاسع إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، فاليوم لا يوجد في العالم العربي بأكمله مرصد فلكي، يحوي تلسكوباً بقطر يزيد عن المتر الواحد.. قارنْ هذا باثني عشر أو أكثر من المراصد المنتشرة في كل من الهند وجنوب أفريقيا).

ويردف بألم: (إن هذا الوضع غريب للغاية؛ فالعالم العربي به العديد من الجبال العالية تصلح لإنشاء عدد من المراصد من الطراز العالمي، ويمتلك الثروة المادية المطلوبة لذلك، كما يوجد مجتمع فلكي جيد على مستوى الهواة والمحترفين).. وماذا بعد، لماذا نقول ذلك؟

كانت الحضارة العربية، في عصرها الزاهر، حضارة علمية غير مسبوقة، فما تركه العلماء العرب المسلمون من آثار وتراث علمي هو من الأهمية بمكان، والذي لا نعرف الكثير عنه، فما حُرر ونُشر وحُقق، قليل جداً، بل المؤسف أن أغلب ما حُقق كان بأيدي المستشرقين، إضافة إلى أن المراكز البحثية المهتمة والمتخصصة بنشر التراث العلمي قليلة، وتعاني قلة التمويل اللازم لأداء نشاطها. (بعض هذه المراكز خارج العالم العربي).

خصصنا هذا العدد (تراثنا العلمي العربي)، ليس لمجرد المفاخرة بالماضي والتباهي بما كان، ولكن بإيماننا أن التاريخ سلسلة متصلة الحلقات، وأن لا مستقبل لأمة تفقد ذاكرتها، وأن الماضي قنطرة للمستقبل. فلماذا لا نعمل على نشر وتحقيق تراثنا العلمي العربي المتناثر والمشتت في جميع أنحاء العالم؟ لتصحيح تاريخ العلم العربي وتأثيره على الحضارة الغربية، وهو تأثير مازال مجهولاً ومغموراً، بل ومكذوباً عليه.. فهل نحن فاعلون؟!

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?id=3963&Archive...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك